responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 372
مِنْ رِزْقِ اللَّهِ، مِنْ: لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِلتَّبْعِيضِ. وَلَمَّا كَانَ مَأْكُولُهُمْ وَمَشْرُوبُهُمْ حَاصِلَيْنِ لَهُمْ مِنْ غَيْرِ تَعَبٍ مِنْهُمْ وَلَا تَكَلُّفٍ، أُضِيفَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا الْتِفَاتٌ، إِذْ تَقَدَّمَ فَقُلْنَا: اضْرِبْ، وَلَوْ جَرَى عَلَى نَظْمٍ وَاحِدٍ لَقَالَ: مِنْ رِزْقِنَا، إِلَّا إِنْ جَعَلْتَ الْإِضْمَارَ قَبْلَ كُلُوا مُسْنَدًا إِلَى مُوسَى، أَيْ وَقَالَ مُوسَى: كُلُوا وَاشْرَبُوا فَلَا يَكُونُ فيه التفات، ومن رِزْقِ اللَّهِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: وَاشْرَبُوا، وَهُوَ مِنْ إِعْمَالِ الثَّانِي عَلَى طَرِيقَةِ اخْتِيَارِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، إِذْ لَوْ كَانَ مِنْ إِعْمَالِ الْأَوَّلِ لَأُضْمِرَ فِي الثَّانِي مَا يَحْتَاجُهُ، فَكَانَ يَكُونُ: كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْهُ، مِنْ رِزْقِ اللَّهِ، وَلَا يَجُوزُ حَذْفُ مِنْهُ إِلَّا فِي ضَرُورَةٍ عَلَى مَا نَصَّ بَعْضُهُمْ، وَالضَّرُورَةُ وَالْقَلِيلُ لَا يُحْمَلُ كَلَامُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا. وَالرِّزْقُ هُنَا هُوَ الْمَرْزُوقُ، وَهُوَ الطَّعَامُ مِنَ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى، وَالْمَشْرُوبُ مِنْ مَاءِ الْعُيُونِ. وَقِيلَ: هُوَ الْمَاءُ يَنْبُتُ مِنْهُ الزُّرُوعُ وَالثِّمَارُ، فَهُوَ رِزْقٌ يُؤْكَلُ مِنْهُ وَيُشْرَبُ، وَهَذَا الْقَوْلُ يَكُونُ فِيهِ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ، يُجْمَعُ فِيهِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، لِأَنَّ الشُّرْبَ مِنَ الْمَاءِ حَقِيقَةٌ، وَالْأَكْلُ لَا يَكُونُ إِلَّا مِمَّا نَشَأَ مِنَ الْمَاءِ، لَا أَنَّ الْأَكْلَ مِنَ الْمَاءِ حَقِيقَةٌ، فَحَمْلُ الرِّزْقِ عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الطَّعَامِ وَالْمَاءِ أَوْلَى مِنْ هَذَا الْقَوْلِ.
وَلَمَّا كَانَ مَطْعُومُهُمْ وَمَشْرُوبُهُمْ لَا كُلْفَةَ عَلَيْهِمْ وَلَا تَعَبَ فِي تَحْصِيلِهِ حَسُنَتْ إِضَافَتُهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَتْ جَمِيعُ الْأَرْزَاقِ مَنْسُوبَةً إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، سَوَاءٌ كَانَتْ مِمَّا تَسَبَّبَ الْعَبْدُ فِي كَسْبِهَا أَمْ لَا، وَاخْتُصَّ بِالْإِضَافَةِ لِلَفْظِ اللَّهِ، إِذْ هُوَ الِاسْمُ الْعَلَمُ الَّذِي لَا يُشْرِكُهُ فِيهِ أَحَدٌ، الْجَامِعُ لِسَائِرِ الْأَسْمَاءِ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ [1] ، قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ [2] ، أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ [3] ، ومَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ [4] ، أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ [5] ؟ وَاحْتَجَّتِ الْمُعْتَزِلَةُ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الرِّزْقَ هُوَ الْحَلَالُ، لِأَنَّ أَقَلَّ دَرَجَاتِ هَذَا الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ لِلْإِبَاحَةِ، وَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ الرِّزْقُ مُبَاحًا، فَلَوْ وُجِدَ رِزْقٌ حَرَامٌ لَكَانَ الرِّزْقُ مُبَاحًا وَحَرَامًا، وَأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ. وَالْجَوَابُ: إِنَّ الرِّزْقَ هُنَا لَيْسَ بِعَامٍّ إِذَا أُرِيدَ بِهِ الْمَنُّ وَالسَّلْوَى وَالْمَاءُ الْمُنْفَجِرُ مِنَ الْحَجَرِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حِلِّيَّةِ مُعَيَّنٍ مَا مِنْ أَنْوَاعِ الرِّزْقِ حِلِّيَّةُ جَمِيعِ الرِّزْقِ، وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ على جَوَازِ أَكْلِ الطَّيِّبَاتِ مِنَ الطَّعَامِ، وَشُرْبِ الْمُسْتَلَذِّ مِنَ الشَّرَابِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ اللَّوْنَيْنِ وَالْمَطْعُومَيْنِ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِشَرْطِ الْحِلِّ.
وَقَدْ صَحَّ
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ كَانَ يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ
، وَأَنَّهُ كَانَ يَشْرَبُ الْمَاءَ الْبَارِدَ الْعَذْبَ، وَكَانَتْ تُنْبَذُ لَهُ فِيهِ التَّمَرَاتِ، وَجَمَعَ بَيْنَ الْقِثَّاءِ وَالرُّطَبِ، وَسَقَى بَعْضَ نِسَائِهِ الْمَاءَ. وقد نقل

[1] سورة الروم: 30/ 40.
[2] سورة سبأ: 34/ 24.
[3] سورة النمل: 27/ 64.
[4] سورة يونس: 10/ 31.
[5] سورة النمل: 27/ 60- 64.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 372
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست