responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 199
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ، لَمَّا اسْتَنْكَفُوا مِنْ تَمْثِيلِ اللَّهِ لِأَصْنَامِهِمْ بِالْمُحَقَّرَاتِ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ لِلْأَنْدَادِ مَا شَاءَ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْمُحَقَّرَةِ بَلْهَ فَمَا فَوْقَهَا، كَمَا يُقَالُ، فُلَانٌ لَا يُبَالِي بِمَا وَهَبَ مَا دِينَارٌ وَدِينَارَانِ، وَالْمُخْتَارُ الْوَجْهُ الثَّانِي لِسُهُولَةِ تَخْرِيجِهِ، لِأَنَّ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ لَا يَجُوزُ فَصِيحًا عَلَى مَذْهَبِ الْبَصْرِيِّينَ، وَالثَّانِي فِيهِ غَرَابَةٌ وَاسْتِبْعَادٌ عَنْ مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ، وما مِنْ قَوْلِهِ: فَمَا مَعْطُوفَةٌ عَلَى قَوْلِهِ بَعُوضَةً إِنْ نصبنا لما مَوْصُولَةٌ وَصِلَتُهَا الظَّرْفُ، أَوْ مَوْصُوفَةٌ وَصِفَتُهَا الظَّرْفُ، وَالْمَوْصُوفَةُ أَرْجَحُ. وَإِنْ رَفَعْنَا بَعُوضَةً، وَكَانَتْ مَا مَوْصُولَةً فَعَطَفَ مَا الثَّانِيَةَ عَلَيْهَا أَوِ اسْتِفْهَامًا، فَذَلِكَ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ، أَوْ كَانَتِ الْبَعُوضَةُ خَبَرًا لِهُوَ مَحْذُوفَةً، وَمَا زَائِدَةٌ، أَوْ صِفَةٌ فَعَطَفَ عَلَى الْبَعُوضَةِ، إِمَّا مَوْصُولَةٌ أَوْ مَوْصُوفَةٌ، وَمَا فَوْقَهَا الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَعْنِي فِي الْحَجْمِ كَالذُّبَابِ وَالْعَنْكَبُوتِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَيَكُونُ ذِكْرُ الْبَعُوضَةِ تَنْبِيهًا عَلَى الصِّغَرِ، وَمَا فَوْقَهَا تَنْبِيهًا عَلَى الْكِبَرِ، وَبِهِ قَالَ أَيْضًا قَتَادَةُ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى فَمَا فَوْقَهَا فِي الصِّغَرِ، أَيْ وَمَا يَزِيدُ عَلَيْهَا فِي الصِّغَرِ، كَمَا تَقُولُ: فُلَانٌ أَنْذَلُ النَّاسِ، فَيُقَالُ لَكَ: هُوَ فَوْقَ ذَلِكَ، أَيْ أَبْلَغَ وَأَعْرَقَ فِي النَّذَالَةِ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ، وَالْكِسَائِيُّ.
وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: فَوْقَ مَنِ الْأَضْدَادِ يَنْطَلِقُ عَلَى الْأَكْثَرِ وَالْأَقَلِّ، فَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِأَنَّ اللَّفْظَ الْمُشْتَرَكَ يُحْمَلُ عَلَى مَعَانِيهِ، يَكُونُ دَلَالَةً عَلَى مَا هُوَ أَصْغَرُ مِنَ الْبَعُوضَةِ وَمَا هُوَ أَكْبَرُ.
وَقِيلَ: أَرَادَ مَا فَوْقَهَا وَمَا دُونَهَا، فَاكْتَفَى بِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ عَنِ الْآخَرِ لِدَلَالَةِ الْمَعْنَى عَلَيْهَا، كَمَا اكْتَفَى فِي قَوْلِهِ: سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ [1] عَنْ قَوْلِهِ: وَالْبَرْدَ، وَرُجِّحَ الْقَوْلُ بِالْفَوْقِيَّةِ فِي الصِّغَرِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ التَّمْثِيلِ تَحْقِيرُ الْأَوْثَانِ، وَكُلَّمَا كَانَ الْمُشَبَّهُ بِهِ أَشَدَّ حَقَارَةً كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْبَابِ أَكْمَلَ، وَبِأَنَّ الْغَرَضَ هُنَا أَنَّ اللَّهَ لَا يَمْتَنِعُ عَنِ التَّمْثِيلِ بِالشَّيْءِ الْحَقِيرِ، وَبِأَنَّ الشَّيْءَ كُلَّمَا كَانَ أَصْغَرُ كَانَ الِاطِّلَاعُ عَلَى أَسْرَارِهِ أَصْعَبَ. فَإِذَا كَانَ فِي نِهَايَةِ الصِّغَرِ لَمْ يُحِطْ بِهِ إِلَّا عِلْمُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، فَكَانَ التَّمْثِيلُ بِهِ أَقْوَى فِي الدَّلَالَةِ عَلَى كَمَالِ الْحِكْمَةِ مِنَ التَّمْثِيلِ بِالْكَبِيرِ، وَالَّذِي نَخْتَارُهُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ لِجَرَيَانِ فَوْقَ عَلَى مَشْهُورِ مَا اسْتَقَرَّ فِيهَا فِي اللُّغَةِ، وَفِي الْمَعْنَى الَّذِي أَسْنَدَ اللَّهُ إِلَيْهِ عَدَمُ الِاسْتِحْيَاءِ مِنْ أَجْلِهِ فِي ضَرْبِ الْمَثَلِ بِهَذِهِ الْمُصَغَّرَاتِ وَالْمُسْتَضْعَفَاتِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْبَعُوضَةَ قَدْ أَوْجَدَهَا عَلَى الْغَايَةِ الْقُصْوَى مِنَ الْإِحْكَامِ وَحُسْنِ التَّأْلِيفِ وَالنِّظَامِ، وَأَظْهَرَ فِيهَا، مَعَ صِغَرِ حَجْمِهَا، مِنْ بَدَائِعِ الْحِكْمَةِ كَمِثْلِ مَا أَظْهَرَهُ فِي النيل الَّذِي هُوَ فِي غَايَةِ الْكِبَرِ وَعِظَمِ الْخِلْقَةِ. وَإِذَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ اسْتَوْفَى نِصَابَ حُسْنِ الصَّنْعَةِ وَبَدَائِعِ التَّأْلِيفِ وَالصَّنْعَةِ، فَضَرْبُ المثل بالصغير

[1] سورة النحل: 16/ 81. [.....]
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 199
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست