responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 173
لَقُلْنا مِثْلَ هَذَا
«1» ، لَكِنْ لَمْ يَجْرِ ذِكْرُ الْمُعَارَضَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، إِلَّا أَنَّ كَوْنَهُمْ فِي رَيْبٍ يَقْتَضِي عِنْدَهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَمَا لَمْ يَكُنْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَهُوَ عِنْدَهُمْ تَمَكُّنُ مُعَارَضَتِهِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فِي الْقُدْرَةِ عَلَى الْمُعَارَضَةِ.
وَلَمَّا كَانَ أَمْرُهُ تَعَالَى إِيَّاهُمْ بِالْإِتْيَانِ بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ أَمْرَ تَهَكُّمٍ وَتَعْجِيزٍ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ قَادِرِينَ عَلَى ذَلِكَ، انْتَقَلَ إِلَى إِرْشَادِهِمْ، إِذْ لَيْسُوا بِقَادِرِينَ عَلَى الْمُعَارَضَةِ، وَأَمَرَهُمْ بِاتِّقَاءِ النَّارِ الَّتِي أُعِدَّتْ لِمَنْ كَذَّبَ، وَأَتَى بِإِنْ، وَإِنْ كَانَ مِنْ مَوَاضِعِ إِذَا تَهَكُّمًا بِهِمْ، كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ: إِنْ غَلَبْتُكَ لَمْ أُبْقِ عَلَيْكَ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَالِبٌ، أَوْ أَتَى بِإِنْ عَلَى حَسَبِ ظَنِّهِمْ، وَإِنَّ الْمُعْجِزَ مِنْهُمْ كَانَ قَبْلَ التَّأَمُّلِ، كَالْمَشْكُوكِ فِيهِ عِنْدَهُمْ لِاتِّكَالِهِمْ عَلَى فَصَاحَتِهِمْ. وَمَعْنَى: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَإِنْ لَمْ تَأْتُوا، وَعَبَّرَ عَنِ الْإِتْيَانِ بِالْفِعْلِ، وَالْفِعْلُ يَجْرِي مَجْرَى الْكِنَايَةِ، فَيُعَبَّرُ بِهِ عَنْ كُلِّ فِعْلٍ، وَيُغْنِيكَ عَنْ طُولِ مَا تَكَنَّى عَنْهُ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لَوْ لَمْ يَعْدِلْ عَنْ لَفْظِ الْإِتْيَانِ إِلَى لَفْظِ الْفِعْلِ لَاسْتُطِيلَ أَنْ يُقَالَ: فَإِنْ لَمْ تَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ، وَلَنْ تَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ، وَلَا يَلْزَمُ مَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ، لِأَنَّهُ لَوْ قِيلَ: فَإِنْ لَمْ تَأْتُوا وَلَنْ تَأْتُوا، كَانَ الْمَعْنَى عَلَى مَا ذُكِرَ وَيَكُونُ قَدْ حُذِفَ ذَلِكَ اخْتِصَارًا، كَمَا حُذِفَ اخْتِصَارًا مَفْعُولُ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا. أَلَا تَرَى أَنَّ التَّقْدِيرَ: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا الْإِتْيَانَ بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَلَنْ تَفْعَلُوا الْإِتْيَانَ بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ فَهُمَا سِيَّانِ فِي الْحَذْفِ؟ وَفِي كِتَابِ ابْنِ عَطِيَّةَ تَعْلِيلٌ غَرِيبٌ لِعَمَلِ لَمْ الْجَزْمَ، قَالَ: وَجَزَمَتْ لَمْ لِأَنَّهَا أَشْبَهَتْ لَا فِي التَّبْرِئَةِ فِي أَنَّهُمَا يَنْفِيَانِ، فَكَمَا تَحْذِفُ لَا تَنْوِينَ الِاسْمِ، كَذَلِكَ تَحْذِفُ لَمْ الْحَرَكَةَ أَوِ الْعَلَامَةَ مِنَ الْفِعْلِ.
وَفِي قَوْلِهِ: وَلَنْ تَفْعَلُوا إِثَارَةٌ لِهِمَمِهِمْ لِيَكُونَ عَجْزُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ أَبْلَغُ وَأَبْدَعُ، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلَانِ عَلَى إِثْبَاتِ النُّبُوَّةِ. أَحَدُهُمَا: صِحَّةُ كَوْنِ الْمُتَحَدَّى بِهِ مُعْجِزًا، الثَّانِي: الْإِخْبَارُ بِالْغَيْبِ مِنْ أَنَّهُمْ لا لَنْ يَفْعَلُوا، وَهَذَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَوْ عَارَضُوهُ لَتَوَفَّرَتِ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ خُصُوصًا مِنَ الطَّاعِنِينَ عَلَيْهِ، فَإِذَا لَمْ يُنْقَلْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ إِخْبَارٌ بِالْغَيْبِ وَكَانَ ذَلِكَ مُعْجِزُهُ. وَأَمَّا مَا أَتَى بِهِ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ فِي هَذْرِهِ، وَأَبُو الطَّيِّبِ الْمُتَنَبِّي فِي عِبَرِهِ وَنَحْوُهُمَا، فَلَمْ يَقْصِدُوا بِهِ الْمُعَارَضَةَ، إِنَّمَا ادَّعَوْا أَنَّهُ نَزَلَ عَلَيْهِمْ وَحْيٌ بِذَلِكَ، فَأَتَوْا مِنْ ذَلِكَ بِاللَّفْظِ الْغَثِّ، وَالْمَعْنَى السَّخِيفِ، وَاللُّغَةِ الْمُهْجَنَةِ، وَالْأُسْلُوبِ الرَّذْلِ، وَالْفِقْرَةِ غَيْرِ الْمُتَمَكِّنَةِ، وَالْمَطْلَعِ الْمُسْتَقْبَحِ، وَالْمَقْطَعِ الْمُسْتَوْهَنِ، بِحَيْثُ لَوْ قُرِنَ ذَلِكَ بكلامهم في غير

(1) سورة الأنفال: 8/ 31.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 173
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست