responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 163
قَالَ ابْنُ فُورَكَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ لِلْمُؤْمِنِينَ، الْمَعْنَى: فَلَا تَرْتَدُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ وَتَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا بَعْدَ عِلْمِكُمْ أَنَّ الْعِلْمَ هُوَ نَفْيُ الْجَهْلِ بِأَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَطِيَّةَ، هَذِهِ الْآيَةُ تُعْطِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَغْنَى الْإِنْسَانَ بِنِعَمِهِ هَذِهِ عَنْ كُلِّ مَخْلُوقٍ، فَمَنْ أَحْوَجَ نَفْسَهُ إِلَى بِشَرٍ مِثْلِهِ بِسَبَبِ الْحِرْصِ وَالْأَمَلِ وَالرَّغْبَةِ فِي زُخْرُفِ الدُّنْيَا، فَقَدْ أَخَذَ بِطَرَفِ مَنْ جَعَلَ نِدًّا، انْتَهَى. وَقَوْلُ أَبِي مُحَمَّدٍ يُعْطِي أَنَّ اللَّهَ أَغْنَى الْإِنْسَانَ، خَطَأٌ فِي التَّرْكِيبِ، لِأَنَّ أَعْطَى لَا تَنُوبُ أَنَّ وَمَعْمُولَاهَا مَنَابَ مَفْعُولَيْهَا، بِخِلَافِ ظَنَّ، فَإِنَّهَا تَنُوبُ مَنَابَ مَفْعُولَيْهَا، وَلِذَلِكَ سِرٌّ ذُكِرَ فِي عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ.
قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: اخْتَصَّ تَعَالَى بِهَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ وَهِيَ: الْخِلْقَةُ الْبَشَرِيَّةُ، وَالْبِنْيَتَانِ الْأَرْضِيَّةُ وَالسَّمَاوِيَّةُ، لِأَنَّهَا مَحَلُّ الِاعْتِبَارِ وَمَسْرَحُ الْإِبْصَارِ وَمَوَاطِنُ الْمَنَافِعِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ، وَبِهَا يَقُومُ الدَّلِيلُ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ وَقُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ وَحَيَاتِهِ وَإِرَادَتِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِهِ الذَّاتِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ، وَانْفِرَادِهِ بِخَلْقِهَا وَأَحْكَامِهَا، وَقَدَّمَ الْخِلْقَةَ الْبَشَرِيَّةَ، وَإِنْ كَانَتْ لِلْعَالَمِ الْأَصْغَرِ، لِمَا فِيهَا مِنْ بَدَائِعِ الصَّنْعَةِ مَا لَا يُعَبِّرُ عَنْهُ وَصْفُ لِسَانٍ وَلَا يُحِيطُ بِكُنْهِهِ فِكْرُ جَنَانٍ، وَظُهُورُ حُسْنِ الصَّنْعَةِ فِي الْأَشْيَاءِ اللَّطِيفَةِ الْجِرْمِ أَعْظَمُ مِنْهُ فِي الْأَجْرَامِ الْعِظَامِ، وَلِأَنَّ اعْتِبَارَ الْإِنْسَانِ بِنَفْسِهِ فِي تَقَلُّبِ أَحْوَالِهِ أَقْرَبُ إِلَى ذِهْنِهِ. قَالَ تَعَالَى: وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [1] ، أَوْ لِأَنَّ الْعَرَبَ عَادَتُهَا تَقْدِيمُ الْأَهَمِّ عِنْدَهَا وَالْمُعْتَنَى بِهِ، قَالَ: وَهُوَ تَعَالَى بِإِصْلَاحِ حَالِ الْبِنْيَةِ الْبَشَرِيَّةِ أَكْثَرُ اهْتِمَامًا مِنْ غَيْرِهَا مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ، لِأَنَّهَا أَشْرَفُ مَخْلُوقَاتِهِ وَأَكْرَمُهَا عَلَيْهِ. قَالَ تَعَالَى: وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ [2] الْآيَةَ، وَلِأَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مَنَافِعَ لِبَنِي آدَمَ وَأَعَدَّهَا نِعَمًا يَمْتَنُّ بِهَا عَلَيْهِمْ، وَذِكْرُ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِ يَتَقَدَّمُ عَلَى ذِكْرِ النِّعْمَةِ. ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا عَرَّفَهُمْ أَنَّهُ خَالِقُهُمْ أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ جَعَلَ لَهُمْ مَكَانًا يَسْتَقِرُّونَ عَلَيْهِ، إِذْ كَانَتْ حِكْمَتُهُ اقْتَضَتْ ذَلِكَ، فَيَسْتَقِرُّونَ فِيهِ جُلُوسًا وَنَوْمًا وَتَصَرُّفًا فِي مَعَايِشِهِمْ، وَجَعَلَ مِنْهُ سَهْلَا لِلْقَرَارِ وَالزَّرْعِ، وَوَعْرًا لِلِاعْتِصَامِ، وَجِبَالًا لِسُكُونِ الْأَرْضِ مِنَ الِاضْطِرَابِ. ثُمَّ لَمَّا مَنَّ عَلَيْهِمْ بِالْمُسْتَقَرِّ أَخْبَرَهُمْ بِجَعْلِ مَا يَقِيهِمْ وَيُظِلُّهُمْ، وَجَعَلَهُ كَالْخَيْمَةِ الْمَضْرُوبَةِ عَلَيْهِمْ، وَأَشْهَدَهُمْ فِيهَا مِنْ غَرَائِبِ الْحِكْمَةِ بِأَنْ أَمْسَكَهَا فَوْقَهُمْ بِلَا عَمَدٍ وَلَا طَنَبٍ لِتَهْتَدِيَ عُقُولُهُمْ، أَنَّهَا لَيْسَتْ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ مَقْدُورِ الْبَشَرِ، ثُمَّ نَبَّهْهُمْ عَلَى النِّعْمَةِ الْعُظْمَى، وَهِيَ إِنْزَالُ الْمَطَرِ الَّذِي هُوَ مَادَّةُ الْحَيَاةِ وَسَبَبُ اهْتِزَازِ الْأَرْضِ بِالنَّبَاتِ، وَأَجْنَاسِ الثَّمَرَاتِ. وَقَدَّمَ ذِكْرَ الْأَرْضِ عَلَى السَّمَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ أَعْظَمُ فِي الْقُدْرَةِ وَأَمْكَنُ فِي الْحِكْمَةِ، وَأَتَمُّ فِي النِّعْمَةِ وأكبر في

[1] سورة الذاريات: 51/ 21.
[2] سورة الإسراء: 17/ 70.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 163
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست