responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 121
وَهَلْ يَنْفَعُهُ وَصْلُهُ الرَّحِمَ وَإِطْعَامُ الْمَسَاكِينِ؟ فَقَالَ: «لَا إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ»
، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَاضُوا ذَلِكَ إِلَّا لَمَّا تَحَقَّقُوا وَارْتَجَوْا مِنَ الْفَوَائِدِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ. أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِمْ: نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، وَقَوْلِهِمْ: وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ [1] . وَكَانَتِ الْيَهُودُ تَزْعُمُ أَنَّهُمْ لَا يُعَذَّبُونَ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ يَوْمًا وَاحِدًا، وَبَعْضُهُمْ عَشْرًا، وَكُلُّ طَائِفَةٍ مِنَ الْكُفَّارِ تَزْعُمُ أَنَّهَا عَلَى الْحَقِّ وَأَنَّ غَيْرَهَا عَلَى الْبَاطِلِ. فَلِحُصُولِ الرَّاحَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَرَجَاءَ الرَّاحَةِ الْأُخْرَوِيَّةِ، سَمَّى اشْتِرَاءَهُمُ الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى تِجَارَةً، وَنَفَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ كَوْنَهُمْ مُهْتَدِينَ. وَهَلِ الْمَعْنَى مَا كَانُوا فِي عِلْمِ اللَّهِ مُهْتَدِينَ، أَوْ مُهْتَدِينَ مِنَ الضَّلَالَةِ، أَوْ لِلتِّجَارَةِ الرَّابِحَةِ، أَوْ فِي اشْتِرَاءِ الضَّلَالَةِ، أَوْ نَفَى عَنْهُمُ الْهِدَايَةَ وَالرِّبْحَ، لِأَنَّ مِنَ التُّجَّارِ مَنْ لَا يَرْبَحُ فِي تِجَارَتِهِ وَيَكُونُ عَلَى هُدًى، وَعَلَى اسْتِقَامَةٍ، وَهَؤُلَاءِ جَمَعُوا بَيْنَ نَفْيِ الرِّبْحِ وَالْهِدَايَةِ. وَالَّذِي أَخْتَارُهُ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَما كانُوا مُهْتَدِينَ إِخْبَارٌ بِأَنَّ هَؤُلَاءِ مَا سَبَقَتْ لَهُمْ هِدَايَةٌ بِالْفِعْلِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: بِالْهُدَى، أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى هُدًى فِيمَا مَضَى، فَبَيَّنَ قَوْلُهُ:
وَما كانُوا مُهْتَدِينَ مَجَازَ قَوْلِهِ: بِالْهُدَى، وَدَلَّ عَلَى أَنَّ الَّذِي اعْتَاضُوا الضَّلَالَةَ بِهِ إِنَّمَا هُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ إِدْرَاكِ الْهُدَى، فَالْمُثْبَتُ فِي الِاعْتِيَاضِ غَيْرُ الْمَنْفِيِّ أَخِيرًا، لِأَنَّ ذَاكَ بِالْقُوَّةِ وَهَذَا بِالْفِعْلِ. وَانْتِصَابُ مُهْتَدِينَ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ كَانَ، فَهُوَ مَنْصُوبٌ بِهَا وَحْدَهَا خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مَنْصُوبٌ بَكَانَ وَالِاسْمِ مَعًا، وَخِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ أَنَّ أَصْلَ انْتِصَابِهِ عَلَى الْحَالِ، وَهُوَ الْفَرَّاءُ، قَالَ: لِشَغْلِ الِاسْمِ بِرَفْعِ كَانَ، إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا حَصَلَتِ الْفَائِدَةُ مِنْ جِهَتِهِ كَانَ حَالًا خَبَرًا فَأَتَى مَعْرِفَةً، فَقِيلَ: كَانَ أَخُوكَ زَيْدًا تغليبا للخير، لَا لِلْحَالِ.
وَذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَاتِ أَقْوَالًا: أَحَدُهَا: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ. الثَّانِي: فِي قَوْمٍ أَعْلَمَ اللَّهُ بِوَصْفِهِمْ قَبْلَ وُجُودِهِمْ، وَفِيهِ إِعْلَامٌ بِالْمُغَيَّبَاتِ.
الثَّالِثُ: فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي وَأَصْحَابِهِ نَزَلَ: وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّتِي قَبْلَهَا فِي جَمِيعِ الْمُنَافِقِينَ، وَذَكَرُوا مَا مَعْنَاهُ: أَنَّهُ لَقِيَ نَفَرًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: انْظُرُوا كَيْفَ أَرُدُّ هَؤُلَاءِ السُّفَهَاءَ عَنْكُمْ، فَذَكَرَ أَنَّهُ مَدَحَ وَأَثْنَى عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ، فَوَبَّخَهُ عَلِيٌّ وَقَالَ لَهُ: لَا تُنَافِقْ، فَقَالَ: إِلَيَّ تَقُولُ هَذَا، وَاللَّهِ إِنَّ إِيمَانَنَا كَإِيمَانِكُمْ، ثُمَّ افْتَرَقُوا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لِأَصْحَابِهِ: كَيْفَ رَأَيْتُمُونِي فَعَلْتُ؟ فَأَثْنَوْا عَلَيْهِ خَيْرًا. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ أَقَاوِيلُ غَيْرُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فِي غُضُونِ الْكَلَامِ قَبْلَ هذا.

[1] سورة سبأ: 34/ 35.
نام کتاب : البحر المحيط في التفسير نویسنده : أبو حيّان الأندلسي    جلد : 1  صفحه : 121
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست