responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن نویسنده : الشنقيطي، محمد الأمين    جلد : 3  صفحه : 505
الطَّبِيعِيَّ مِنَ الْحَضَارَةِ الْغَرْبِيَّةِ، وَبِذَلِكَ الْإِيضَاحِ التَّامِّ يَتَمَيَّزُ النَّافِعُ مِنَ الضَّارِّ، وَالْحَسَنُ مِنَ الْقَبِيحِ، وَالْحَقُّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَذَلِكَ أَنَّ الِاسْتِقْرَاءَ التَّامَّ الْقَطْعِيَّ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْحَضَارَةَ الْغَرْبِيَّةَ الْمَذْكُورَةَ تَشْتَمِلُ عَلَى نَافِعٍ وَضَارٍّ: أَمَّا النَّافِعُ مِنْهَا فَهُوَ مِنَ النَّاحِيَةِ الْمَادِّيَّةِ، وَتَقَدُّمُهَا فِي جَمِيعِ الْمَيَادِينِ الْمَادِّيَّةِ أَوْضَحُ مِنْ أَنْ أُبَيِّنَهُ، وَمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنَ الْمَنَافِعِ لِلْإِنْسَانِ أَعْظَمُ مِمَّا كَانَ يَدْخُلُ تَحْتَ التَّصَوُّرِ، فَقَدْ خَدَمَتِ الْإِنْسَانَ خِدْمَاتٍ هَائِلَةً مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ جَسَدٌ حَيَوَانِيٌّ، وَأَمَّا الضَّارُّ مِنْهَا فَهُوَ إِهْمَالُهَا بِالْكُلِّيَّةِ لِلنَّاحِيَةِ الَّتِي هِيَ رَأْسُ كُلِّ خَيْرٍ، وَلَا خَيْرَ أَلْبَتَّةَ فِي الدُّنْيَا بِدُونِهَا، وَهِيَ التَّرْبِيَةُ الرُّوحِيَّةُ لِلْإِنْسَانِ وَتَهْذِيبُ أَخْلَاقِهِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِنُورِ الْوَحْيِ السَّمَاوِيِّ الَّذِي يُوَضِّحُ لِلْإِنْسَانِ طَرِيقَ السَّعَادَةِ، وَيَرْسُمُ لَهُ الْخُطَطَ الْحَكِيمَةَ فِي كُلِّ مَيَادِينِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَيَجْعَلُهُ عَلَى صِلَةٍ بِرَبِّهِ فِي كُلِّ أَوْقَاتِهِ.
فَالْحَضَارَةُ الْغَرْبِيَّةُ غَنِيَّةٌ بِأَنْوَاعِ الْمَنَافِعِ مِنَ النَّاحِيَةِ الْأُولَى، مُفْلِسَةٌ إِفْلَاسًا كُلِّيًّا مِنَ النَّاحِيَةِ الثَّانِيَةِ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ طُغْيَانَ الْمَادَّةِ عَلَى الرُّوحِ يُهَدِّدُ الْعَالَمَ أَجْمَعَ بِخَطَرٍ دَاهِمٍ، وَهَلَاكٍ مُسْتَأْصِلٍ، كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ الْآنَ، وَحَلُّ مُشْكِلَتِهِ لَا يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ إِلَّا بِالِاسْتِضَاءَةِ بِنُورِ الْوَحْيِ السَّمَاوِيِّ الَّذِي هُوَ تَشْرِيعُ خَالِقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ; لِأَنَّ مَنْ أَطْغَتْهُ الْمَادَّةُ حَتَّى تَمَرَّدَ عَلَى خَالِقِهِ وَرَازِقِهِ لَا يُفْلِحُ أَبَدًا.
وَالتَّقْسِيمُ الصَّحِيحُ يَحْصُرُ أَوْصَافَ الْمَحِلِّ الَّذِي هُوَ الْمَوْقِفُ مِنَ الْحَضَارَةِ الْغَرْبِيَّةِ فِي أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ لَا خَامِسَ لَهَا، حَصْرًا عَقْلِيًّا لَا شَكَّ فِيهِ:
الْأَوَّلُ: تَرْكُ الْحَضَارَةِ الْمَذْكُورَةِ نَافِعِهَا وَضَارِّهَا.
الثَّانِي: أَخْذُهَا كُلِّهَا ضَارِّهَا وَنَافِعِهَا.
الثَّالِثُ: أَخْذُ ضَارِّهَا وَتَرْكُ نَافِعِهَا.
الرَّابِعُ: أَخْذُ نَافِعِهَا وَتَرْكُ ضَارِّهَا.
فَنَرْجِعُ بِالسَّبْرِ الصَّحِيحِ إِلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ، فَنَجِدُ ثَلَاثَةً مِنْهَا بَاطِلَةً بِلَا شَكٍّ، وَوَاحِدًا صَحِيحًا بِلَا شَكٍّ.
أَمَّا الثَّلَاثَةُ الْبَاطِلَةُ: فَالْأَوَّلُ مِنْهَا تَرْكُهَا كُلِّهَا، وَوَجْهُ بُطْلَانِهِ وَاضِحٌ ; لِأَنَّ عَدَمَ الِاشْتِغَالِ بِالتَّقَدُّمِ الْمَادِّيِّ يُؤَدِّي إِلَى الضَّعْفِ الدَّائِمِ، وَالتَّوَاكُلِ وَالتَّكَاسُلِ، وَيُخَالِفُ الْأَمْرَ السَّمَاوِيَّ فِي قَوْلِهِ جَلَّ وَعَلَا: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ الْآيَةَ [18 \ 60] .
لَا يَسْلَمُ الشَّرَفُ الرَّفِيعُ مِنَ الْأَذَى ... حَتَّى يُرَاقَ عَلَى جَوَانِبِهِ الدَّمُ

نام کتاب : أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن نویسنده : الشنقيطي، محمد الأمين    جلد : 3  صفحه : 505
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست