الدولة السلجوقية وتمكنها واستيلائها على بلاد الشام إلى غزة، ولم يبق بينهم وبين مصر ولاية أخرى تمنعهم، ودخول أقسيس إلى مصر وحصرها، خافوا وأرسلوا إلى الفرنج يدعونهم إلى الخروج إلى الشام! لكوه، ويكونوا بينهم وبين المسلمين، واللة أعلم" [1] . وقد ذكر قبل ذلك عزم النصارى على الخروج وكيف عدلوا عن عزمهم من السير إلى افريقية إلى الشام لكون الشام فيه بيت المقدس، وفتحها فخر للنصارى، ولوجود عهود مع أهل إفريقية [2] .
ولا يعني هذا أن العبيديين لم يقاتلوا الصليبيين، بل قاتلوهم ولكن ذلك إنما يكون حين يهاجمهم الصليبيون الذين كانت لهم أطماع في الشام- وفيها ما هو تحت سيطرة العبيديين، كما كانت لهم أطماع في مصر أيضا [3] .
وهكذا غزا الصليبيون بلاد الإسلام واحتلوا بيت المقدس، هدفهم الكبير وذبحوا المسلمين بشكل رهيب [4] وفجع العالم الإسلامي بذلك، [1] الكامل (10/ 273) ، وانظر تاريخ الخلفاء للسيوطي (ص: 679) ، وهذه القضية بحاجة إلى إبراز، لأن تعاون الدولة العبيدية الباطنية وتعاون الحركات الباطنية بعد ذلك مع النصارى أمر مشهور. ومما يجدر ملاحظته أن معركة ملازكرد التي أشرنا إليها قبل قليل كان من أهم آثارها وقف تعاون قوي بدت معالمه بين العبيديين والبيزنطين ضد السلاجقة السنيين. أما تعاون الدولة العبيدية مع النصارى- زمن الحروب الصليبية- فأحداث تاريخ تلك الحقبة تحمل حقائق مذهلة، حتى أن صاحب النجوم الزاهرة (ج- 5 ص 147) - يأسى لتقاعس صاحب مصر عن مناصرة السلاجقة في مواجهتهم للصليبيين. ولما انشغل السلاجقة في حرب الصليبيين شمال الشام انقض الباطنيون من مصر على بيت المقدس واحتلوه وقد أرسل الأفضل الوزير الفاطمي إلى الصليبيين وهم يحاصرون انطاكية سفارة عرضت التعاون معهم للقضاء على السلاجقة واقتسام الشام بينهم. وما هذه إلا أمثلة، وانظر الحركة الصليبية- عاشور (1/191،227) ، وكتاب " الفاطميون والصليبيون (ص: 53) وما بعدها، والحروب الصليبية: سميل (ص: 81) . [2] الكامل (0 1/ 272-273) . [3] انظر الحركة الصليبية (1/231) ، ومما يلاحظ أن الصليبيين عقدوا في الرملة سنة 492 هـ قبل زحفهم إلى بيت المقدس- اجتماعا ومجلسا للحرب ناقشوا فيه عدة مسائل منها الرأي القائل بأنه لابد من البدء بمهاجمة مصر، لأن استقرارهم في بيت المقدس لن ينعموا به إلا إذا أخضعوا القاهرة لهم. المصدر السابق (1/233) . [4] قتل الصليبيون كل مسلم وجدوه في أى مكان حتى أنهم قتلوا من احتمى بالمسجد الأقصى، فقتلوا فيه أكثر من سبعين ألفا، وهذا العدد لم يذكره مؤرخو الإسلام فقط وإنما ذكره مؤرخو النصارى ومنهم - ابن العبري- في كتابه مختصر الد ول (ص: 197) - حيث قال: " ولبث الافرنج في البلد أسبوعا يقتلون =