فهذه المقارنات تدل على أن حكاية ابن فورك لأقوال الأشعري لا تؤخذ قضية مسلمة على أنها عبارته وكلامه، خاصة وأن المسائل التي ذكرها في كتابه هذا- مما لا يوجد في كتب الأشعري المطبوعة- كثيرة جدا، سواء في جليل المسائل أو دقيقها، ولعل المقارنة بين هذا الكتاب، ما يذكره الأشعري في كتبه المطبوعة، أو ما ينسبه اليه من ينقل أقوال الأشعري من بقية علماء الأشعرية كالجويني، والبغدادى والشهرستاني والرازي، تؤدى إلى استخلاص فائدة علمية من هذا الكتاب.
وهذا الكتاب يعطي مضمون ما في كتب الأشعري الكلامية التي لم تصل إلينا، وكيف أنه خاض في كثير من المسائل على منهج المتكلمين، وذلك حين خاض في قضايا كثيرة من دقيق المسائل التي نجدها عند بعض علماء الأشعرية كالشهرستاني والجويني والرازي والآمدي وغيرهم.
سابعا: أطوار حياته العقدية:
مر الشيخ أبو الحسن الأشعري في حياته بأطوار، منها ماهو متفق عليه بين العلماء والمترجمين له، ومنها ماوقع حوله خلاف، وقد شغل الناس قديما وحديثا في هذا الأمر، ولا شك أن التطور الذي حدث لمذهب الأشعرية- بعد الأشعري- كان من أسباب طرق هذا الموضوع الذي يتصل بمؤسسه ومن ينتسبون إليه؛ وذلك من خلال علاقته ودوره في هذا التطور الذي حدث للمذهب الأشعري، وشيء آخر وهو محاولة الدفاع عن هذا المذهب من خلال بيان سلامة عقيدة من ينتسبون إليه ورجوعه إلى مذهب السلف.
والملاحظ أن بعضا ممن كتب عن الأشعري وتطرق لهذا الموضوع لم يتجرد من مغالبة الهوي والميل مع أو ضد الأشعري، فجاء كلامه وأسلوبه متضمنا للمدح أو الذم، ومع ذلك فهناك من حاول الإنصاف، ووضع الأمر موضعه الصحيح، والتوفيق بيد الله سبحانه وتعالى.