الفصل الثاني
تمهيد
الكتابة عن منهج ابن تيمية تحتاج إلى بحث مستقل، لأن هناك قضايا في منهجه لابد من طرحها بوضوح وشمول حتى يتبين حقيقة مذهبه ومنهجه فيها. ومن ثم فمن الصعوبة أن يحصر الباحث الكلام في منهجه في العقيدة في فصل ضمن فصول أخرى يحتاج كل واحد منها إلى استقصاء المراجع حوله وأن يأخذ ما يستحقه ضمن فصول الرسالة من الدراسة والتحقيق.
وابن تيمية-رحمه الله- لم يركز في كتاباته حول العقيدة على جانب معين فقط، بل تنوعت كتبه وردوده، ومناقشاته للمخالفين، فكتب في شرح عقيدة السلف، وأقوال أئمة الإسلام، كما رد وناقش الفلاسفة، والمعتزلة، وا لقد رية، والجهمية، والمر جئة، والمشبهة، والخوارج، والصوفية، والر افضة، والأشاعرة، وغرهم، وكان موقفه من هؤلاء، ومنهجه في الرد عليهم نابعا من المنهج السلفي القائم على الكتاب والسنة بموازين دقيقة.
وهذه الحقيقة تميز شيخ الإسلام عن غيره من العلماء، الذين كانت لهم جهود مشكورة ومساع محمودة في نصرة هذا الدين والذب عن حوزته، لكن الواحد منهم إنما يشتهر في قضية واحدة من قضايا العقيدة، أو الرد على طائفة واحدة فقط من هذه الطوائف المنحرفة، وقد يكون متلبسا بانحراف معين قالت به طائفة أخرى، والمقصود بهذا الكلام العلماء المتأخرون بعد القرون المفضلة، وذلك حين كانت هذه الفرق والطوائف المنحرفة موجودة في كل مكان في العالم الإسلامي. إن من نعم الله الكبرى- على شيخ الإسلام ابن تيمية- أنه ود على كل
طائفة وما وقع في انحراف الطائفة المقابلة لها، ولا شك أن من اعتصم بالله وبكتابه وسنة نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - من غير غلو ولا تقصير فإن الله يوفقه إلى الوسطية، ودين الله وسط بين الأديان، وأهل السنة وسط بين الطوائف!.