أما الرافضة: فقد كانوا يتحصنون في جبال الجرد والكسروانيين، وقد ذهب إليهم ابن تيمية سنة 704 هـ ومعه جماعة من أصحابه فاستتابوا خلقا منهم وألزموهم شرائع الإسلام [1] ، وفي سنة 705 هـ- في أولها- خرج ابن تيمية ومعه طائفة من الجيش ونائب السلطنة فنصرهم الله عليهم وأبادوا خلقا منهم ومن فرقتهم الضالة، وقد حصل بسبب شهود ابن تيمية هذه الغزوة خير كثير، ولما رجع مع نائب الشام منتصرا امتلأت قلوب أعدائه حسدا له [2] .
* * *
هذه نماذج من جهود ابن تيمية وربطه العلم بالعمل، وإذا كان موضوع هذا البحث يدور حول قضايا علمية في مواقفه من الأشاعرة، إلا أن هذه الجوانب العظيمة العملية في حياته أضفت على مواقفه وكلامه ورسائله وكتبه طابعا معينا، فلم تكن المحن التي مر بها، والمناظرات التي عقدت له وما لقي في سبيل الدفاع عن الحق وبيانه للناس من أذى وسجن قر دون أن تظهر للناس، وتأخذ حيزاً كبيرا من اهتمامهم، وتشغلهم أوقاتا طويلة يتابعون أحداثها ويتفاعلون معها. سادسا: مكانته ومنزلته:
لقد تبوأ شيخ الإسلام ابن تيمية مكانة ومنزلة عظيمة بين علماء عصره، وكان لذلك أسبابه، كما أن هذه المنزلة تمثلت في مظاهر مختلفة ... فمن أسباب ذلك:
ا- بعده عن المناصب أو أخذ رواتب من الدولة، وكان ذلك عن عزم منه وتصميم، فلم يتول القضاء أو الإمارة، كما لم يأخذ أجرا على الدروس التى كان يلقيها في دور الحديث أو الجامع؟ فقد عرض عليه قازان لما قابله أن يعمر حران [1] انظر: البداية والنهاية (14/35) ، والكواكب (ص: 92) ، وانظر: منهاج السنة (1/58- 66) ، المحققة، وأيضا (3/ 244) . [2] انظر: العقود (ص: 179- 194) ، تاريخ بيروت (ص: 27) ، والبداية والنهاية (14/ 35) ، والسلوك (2/12) ، وانظر موقفا من مواقفه في جهاده في مجموع الفتاوى (11/ 474) .