وقيل: "هي السؤال في التجاوز عن الذنوب والجرائم"1.
وبهذا نعلم موافقة المعنى الشرعي للشفاعة لمعانيها اللغوية.
وبعد تعريف الشفاعة لغة وشرعاً نقول: إن "سورة الزمر" قد تناولت نوعي الشفاعة المنفية، والمثبتة، كما أوضحت أن المشركين ما أوقعهم في الشرك بالله ـ العظيم ـ إلا تعلقهم بأن الآلهة التي يعبدونها من دون الله تشفع لهم عنده وتقربهم إلى الله زلفى.
قال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} .
وقال تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ * قُلْ لله الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} هذه ثلاث آيات من السورة الآية الأولى: منها أوضحت أن المشركين كانوا يعبدون الأصنام، والأوثان لكي تشفع لهم عند الله وتقربهم إليه زلفى. قال قتادة: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى} أي "قالوا ما نعبد هؤلاء إلا ليقربونا، إلا ليشفعوا لنا عند الله".
قال ابن زيد: قالوا هم شفعاؤنا عند الله، وهم الذين يقربوننا إلى الله زلفى يوم القيامة"2 فهذه حال من يتخذ الأولياء والشفعاء من دون الله يزعم أن ذلك يقربه إلى الله زلفى، والحال أن عمله هذا مشاهد عليه بالكفر والكذب محروم من هداية الله تعالى، وأما الآيتان الأخيرتان وهما قوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ * قُلْ لله الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} هاتان الآيتان من السورة بينتا بأن الشفاعة تنقسم إلى قسمين:
أـ شفاعة منفية وهي التي ادعاها المشركون وأثبتوها لآلهتهم.
ب ـ شفاعة مثبتة، وهي التي أثبتها الله لأهل الإخلاص فيأذن هو ـ سبحانه ـ لمن يشاء أن يشفع فيه فصارت الشفاعة في الحقيقة إنما هي له، والذي يشفع عنده إنما يشفع بإذنه له، وأمره وهذا ضد الشفاعة الشركية التي أثبتها هؤلاء المشركون ومن وافقهم، وهي
1-النهاية لابن الأثير 2/485، لسان العرب 8/184.
2- قول قتادة وابن زيد في جامع البيان للطبري 23/191، 192.