يُسْراً} 1 ... ثم قال في التوكل {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} 2 فانظر إلى هذا الجزاء الذي حصل للمتوكل ولم يجعله لغيره، وهذا يدل على أن التوكل أقوى السبل عنده وأحبها إليه وليس كونه وكل الأمور إلى نفسه لأن العبد إذا علم ذلك وتحققه معرفة: صارت حالة التوكل قطعاً على من هذا شأنه لعلمه بأن الأمور كلها موكولة إليه، وأن العبد لا يملك شيئاً منها" اهـ3.
ومن فضائله أنه من صفات أولياء الله وخاصته وهم المؤمنون به حقاً: وفي مقدمتهم أنبياء الله ورسله قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} 4 فهذه الآية فيها دليل على انحصار المؤمنين الكمل فيمن تلبس بهذه الصفة. قال ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية: "المنافقون لا يدخل في قلوبهم شيء من ذكر الله عند أداء فرائضه، ولا يؤمنون بشيء من آيات الله، ولا يتوكلون على الله، ولا يصلون إذا غابوا، ولا يؤدون زكاة أموالهم، فأخبر الله أنهم ليسوا بمؤمنين، ثم وصف المؤمنين فقال {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً} .
يقول: تصديقاً. {وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} يقول: لا يرجون غيره. أ. هـ5.
وقوله تعالى: {وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} يبين بأن المؤمنين لا يعتمدون بقلوبهم إلا على ربهم ويفوضون إليه جميع أمورهم، فلا يرجون سواه ولا يقصدون إلا إياه ولا يرغبون إلا إليه مع يقينهم بأن ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وأنه صاحب التصرف في الملك وحده والمستحق للعبادة دون سواه.
وقال في فتح المجيد: "وفي الآية وصف المؤمنين حقاً بثلاث مقامات من مقامات الإحسان وهي: الخوف، وزيادة الإيمان، والتوكل على الله وحده وهذه المقامات تقتضي كمال الإيمان، وحصول أعماله الباطنة والظاهرة" اهـ6.
1- سورة الطلاق آية: 4.
2- سورة الطلاق آية: 3.
3- مدارج السالكين 2/128.
4- سورة الأنفال آية: 2.
5- جامع البيان 9/178 ـ 179.
6- ص363.