الثاني: "التوكل عليه في حصول ما يحبه هو ويرضاه من الإيمان واليقين والجهاد والدعوة إليه. فغاية هذا النوع عبادة، وهو في نفيه عبادة فإن العبد استعان بالله على ما يرضيه فصاحبه متحقق بإياك نعبد وإياك نستعين فمن تركه فقد ترك شطر دينه، وبين هذين النوعين من الفضل ما لا يحصيه إلا الله ـ تعالى ـ فمتى توكل عليه العبد في النوع الثاني حق توكله كفاه النوع الأول تمام الكفاية. ومتى توكل عليه من النوع الأول دون الثاني كفاه أيضاً، لكن لا يكون له عاقبة المتوكل فيما يحبه ويرضاه، فأعظم التوكل عليه التوكل في الهداية وتجريد التوحيد ومتابعة الرسول وجهاد أهل الباطل، فهذا توكل الرسل وخاصة أتباعهم"1.
وأما التوكل على غير الله ـ تعالى ـ فهو أيضاً نوعان:
أحدهما: التوكل في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله كالذين يتوكلون على الأموات والغائبين في رجاء تحقيق المطالب من الرزق والنصر والحفظ والشفاعة فهذا من الشرك الأكبر الذي لا يغفر إلا بالتوبة النصوح.
الثاني: التوكل على الأحياء الحاضرين من ولاة الأمور ونحوهم فيما لهم قدرة عليه من رزق أو دفع أذى ونحو ذلك فهذا شرك حتمي في الأسباب العادية الظاهرة، وهو أيضاً نوع شرك أصغر. والوكالة الجائزة هي توكيل الإنسان أخاه في فعل ما يقدر عليه نيابة عنه ولكن ليس الإعتماد عليه في حصول ما وكل فيه بل يتوكل على الله في تيسير أمره الذي يطلبه بنفسه أو نائبه وذلك من جملة الأسباب التي يجوز فعلها ولا يعتمد عليه بل يعتمد على المسبِّب الذي أوجد السبب والمسبب"2.
وللتوكل على الله ـ تعالى ـ فضل عظيم وثواب جزيل في الدنيا والآخرة وقد جاء في الكتاب والسنة الكثير من ذلك.
فمن فضائله أن صاحبه موسوم بمحبة الباري ـ سبحانه وتعالى ـ وأكرم بمقام موسوم
1- الفوائد ص85 ـ 86، طريق الهجرتين ص262.
2- تيسير العزيز الحميد 439، وانظر قرة عيون الموحدين ص205، وانظر فتح المجيد ص290. ط: السلفية.