responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : لوامع الأنوار البهية نویسنده : السفاريني    جلد : 1  صفحه : 409
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: فَهَؤُلَاءِ غَلِطُوا فِي أَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّ الْإِيمَانَ مُجَرَّدُ تَصْدِيقٍ وَعِلْمٍ فَقَطْ، لَيْسَ مَعَ عَمَلٍ وَحَالٍ وَحَرَكَةٍ وَإِرَادَةٍ وَمَحَبَّةٍ وَخَشْيَةٍ فِي الْقَلْبِ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ غَلَطِ الْمُرْجِئَةِ مُطْلَقًا فَإِنَّ أَعْمَالَ الْقُلُوبِ الَّتِي يُسَمِّيهَا بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ أَحْوَالًا وَمَقَامَاتٍ وَمَنَازِلَ السَّائِرِينَ إِلَى اللَّهِ، أَوْ مَقَامَاتِ الْعَارِفِينَ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، كُلُّ مَا فِيهَا مِمَّا فَرَضَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَهُوَ مِنَ الْإِيمَانِ الْوَاجِبِ، وَكُلُّ مَا فِيهَا مِنَ الْإِيمَانِ مِمَّا أَحَبَّهُ اللَّهُ وَلَمْ يَفْرِضْهُ فَهُوَ مِنَ الْإِيمَانِ الْمُسْتَحَبِّ، فَالْأَوَّلُ لَا بُدَّ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْهُ، وَمَنِ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فَهُوَ مِنَ الْأَبْرَارِ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، وَالثَّانِي لِلْمُقَرَّبِينَ السَّابِقِينَ، وَالْأَصْلُ الثَّانِي الَّذِي غَلِطُوا فِيهِ ظَنُّهُمْ أَنَّ كُلَّ مَنْ حَكَمَ الشَّارِعُ بِأَنَّهُ كَافِرٌ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ، فَإِنَّمَا ذَاكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي قَلْبِهِ شَيْءٌ مِنَ الْعِلْمِ، وَالتَّصْدِيقِ، وَهَذَا أَمْرٌ خَالَفُوا فِيهِ الْحِسَّ، وَالْعَقْلَ، وَالشَّرْعَ، وَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ طَوَائِفُ بَنِي آدَمَ السَّلِيمِي الْفِطْرَةِ وَجَمَاهِيرُ النُّظَّارِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَعْرِفُ الْحَقَّ مَعَ غَيْرِهِ، وَمَعَ هَذَا يَجْحَدُ ذَلِكَ لِحَسَدِهِ إِيَّاهُ، أَوْ لِطَلَبِ عُلُوِّهِ عَلَيْهِ، أَوْ لِهَوَى النَّفْسِ وَيَحْمِلُهُ ذَلِكَ الْهَوَى عَلَى أَنْ يَعْتَدِيَ عَلَيْهِ وَيَرُدَّ مَا يَقُولُ بِكُلِّ طَرِيقٍ، وَهُوَ فِي قَلْبِهِ يَعْلَمُ أَنَّ الْحَقَّ مَعَهُ. وَعَامَّةُ مَنْ كَذَّبَ الرُّسُلَ عَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ مَعَهُمْ، وَأَنَّهُمْ صَادِقُونَ، لَكِنَّ الْحَسَدَ وَإِرَادَةَ الْعُلُوِّ وَالرِّيَاسَةِ وَحُبَّهمْ لِمَا هُمْ عَلَيْهِ، وَإِلْفَهُمْ لِمَا ارْتَكَبُوهُ أَوْجَبَ لَهُ التَّكْذِيبَ وَالْمُعَادَاةَ لَهُمْ، وَجَمِيعُ مَنْ كَذَّبَ الرُّسُلَ لَمْ يَأْتِ بِحُجَّةٍ صَحِيحَةٍ تَقْدَحُ فِي صِدْقِهِمْ، وَإِنَّمَا يَعْتَمِدُونَ عَلَى مُخَالَفَةِ أَهْوَائِهِمْ كَقَوْلِهِمْ لِنُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} [الشعراء: 111] وَقَوْلِ فِرْعَوْنَ: {أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ} [المؤمنون: 47] وَقَوْلِه لِمُوسَى: {أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا} [الشعراء: 18] الْآيَتَيْنِ وَقَوْلِ مُشْرِكِي الْعَرَبِ لِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} [القصص: 57] قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - رَدًّا عَلَيْهِمْ: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ} [القصص: 57] بَلْ أَبُو طَالِبٍ وَغَيْرُهُ كَانُوا مَعَ مَحَبَّتِهِمْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَحَبَّتِهِمْ لِعُلُوِّ كَلِمَتِهِ مِنْ عَدَمِ حَسَدِهِمْ لَهُ وَعِلْمِهِمْ بِصِدْقِهِ، وَحَمْلِهِمُ الْفَهْمَ لِدِينِ قَوْمِهِمْ وَكَرَاهَتِهِمْ لِفِرَاقِهِ وَذَمِّ قُرَيْشٍ لَهُمْ عَلَى عَدَمِ اتِّبَاعِه عَلَى دِينِهِ الْقَوِيمِ وَهَدْيِهِ الْمُسْتَقِيمِ، فَلَمْ يَتْرُكُوا الْإِيمَانَ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بَلْ لِهَوَى الْأَنْفُسِ، فَكَيْفَ يُقَالُ مَعَ هَذَا أَنَّ كُلَّ كَافِرٍ إِنَّمَا كَفَرَ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِاللَّهِ؟

نام کتاب : لوامع الأنوار البهية نویسنده : السفاريني    جلد : 1  صفحه : 409
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست