والتوحيد هو أساس الإيمان الذي تصلح به جميع الأعمال وتفسد بعدمه؛ كما أن ذلك بين في قوله تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [1] الآية. وذلك أن التحاكم إلى الطاغوت إيمان به. وقوله: {وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً} [2] يبين تعالى في هذه الآية
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودا فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً} [3].
أن التحاكم إلى الطاغوت مما يأمر به الشيطان ويزينه لمن أطاعه، ويبين أن ذلك مما أضل به الشيطان من أضله; وأكده بالمصدر، ووصفه بالبعد، فدل على أن ذلك من أعظم الضلال وأبعده عن الهدى.
ففي هذه الآية أربعة أمور:
الأول: أنه من إرادة الشيطان. الثاني: أنه ضلال. الثالث: تأكيده بالمصدر. الرابع: وصفه بالبعد عن سبيل الحق والهدى. فسبحان الله ما أعظم هذا القرآن وما أبلغه! وما أدله على أنه كلام رب العالمين، أوحاه إلى رسوله الكريم، وبلغه عبده الصادق الأمين -صلوات الله وسلامه عليه-.
قوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودا} . بين تعالى أن هذه صفة المنافقين، وأن من فعل ذلك أو طلبه، وإن زعم أنه مؤمن فإنه في غاية البعد عن الإيمان.
قال العلامة ابن القيم -رحمه الله تعالى-: " هذا دليل على أنه من دُعي إلى تحكيم الكتاب والسنة فأبى أنه من المنافقين".
قوله: {ويَصُدُّونَ} لازم وهو بمعنى يعرضون؛ لأن مصدره "صدودا" فما أكثر من اتصف بهذا الوصف! خصوصا ممن يدعي العلم؛ فإنهم صدوا عما توجبه الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إلى أقوال من يخطئ كثيرا ممن ينتسب إلى الأئمة الأربعة في تقليدهم من لا يجوز تقليده، واعتمادهم على قول من لا يجوز الاعتماد على قوله، ويجعلون [1] سورة البقرة آية: 256. [2] سورة النساء آية: 60. [3] سورة النساء آية: 60-61-62.