قوله: "وكره قتادة تعلم منازل القمر. ولم يرخص ابن عيينة فيه. ذكره حرب عنهما. ورخص في تعلم المنازل أحمد وإسحاق".
قال الخطابي: " أما علم النجوم الذي يدرك من طريق المشاهدة والخبر الذي يعرف به الزوال، وتعلم به جهة القبلة فإنه غير داخل فيما نهى عنه. وذلك أن معرفة رصد الظل ليس شيئا أكثر من أن الظل ما دام متناقصا فالشمس بعد صاعدة نحو وسط السماء من الأفق الشرقي، وإذا أخذ في الزيادة فالشمس هابطة من وسط السماء نحو الأفق الغربي، وهذا علم يصح إدراكه بالمشاهدة، إلا أن أهل هذه الصناعة قد دبروها بما اتخذوه من الآلات التي يستغني الناظر فيها عن مراعاة مدته ومراصدته. وأما ما يستدل به من النجوم على جهة القبلة؛ فإنها كواكب رصدها أهل الخبرة من الأئمة الذين لا نشك في عنايتهم بأمر الدين، ومعرفتهم بها وصدقهم فيما أخبروا به عنها، مثل أن يشاهدها بحضرة الكعبة، ويشاهدها على حال الغيبة عنها، فكان إدراكهم الدلالة منها بالمعاينة، وإدراكنا ذلك بقبول خبرهم؛ إذ كانوا عندنا غير متهمين في دينهم، ولا مقصرين في معرفتهم". انتهى[1].
وروى ابن المنذر عن مجاهد أنه كان لا يرى بأسا أن يتعلم الرجل منازل القمر. وروي عن إبراهيم أنه كان لا يرى بأسا أن يتعلم الرجل من النجوم ما يهتدي به. قال ابن رجب: " والمأذون في تعلمه التسيير لا علم التأثير؛ فإنه باطل محرم، قليله وكثيره. وأما علم التسيير فيتعلم ما يحتاج إليه منه للاهتداء، ومعرفة القبلة والطرق جائز عند الجمهور".
قوله: "ذكره حرب عنهما" هو الإمام الحافظ حرب بن إسماعيل أبو محمد الكرماني، الفقيه من جلة أصحاب الإمام أحمد. روى عن أحمد وإسحاق وابن المديني وابن معين وغيرهم. وله كتاب المسائل التي سئل عنها الإمام أحمد وغيره، مات سنة ثمانين ومائتين. [1] وحقيقة علم الفلك: معرفة حركات النجوم والكواكب وتنقلاتها ومنازلها. وقد اخترع لمعرفة ذلك آلات حاسبة ومنظارات مقربة; ومراصد كاملة الأسباب والآلات عرفوا بها شيئا كثيرا جدا من العوالم العلوية، حتى أصبحت كأنها على هذه الأرض. وكل ذلك لا يصح أن يختلف فيه مطلقا; لأنه كعلم الحساب. أما أن ينسب إلى هذه النجوم والكواكب شيء من الحوادث على الأرض من موت أو حياة أو حرب أو سلم يكون في المستقبل، فهذا هو الذي لا شك في كذبه وأنه ضلال.