وبه يظهر مطابقة الحديث للترجمة. وهو يدل على تحريم النميمة، وهو مجمع عليه. قال ابن حزم -رحمه الله-: " اتفقوا على تحريم الغيبة والنميمة في غير النصيحة الواجبة". وفيه دليل على أنها من الكبائر.
قوله: "القالة بين الناس". قال أبو السعادات: أي كثرة القول وإيقاع الخصومة بين الناس. ومنه الحديث: " فشت القالة بين الناس "[1].
قال: "ولهما عن ابن عمر أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: " إن من البيان لسحرا ". البيان: البلاغة والفصاحة. قال صعصعة
فيه مسائل:
الأولى: أن العيافة والطرق والطيرة من الجبت.
الثانية: تفسير العيافة والطرق.
الثالثة: أن علم النجوم نوع من السحر.
الرابعة: العقد مع النفث من ذلك.
الخامسة: أن النميمة من ذلك.
السادسة: أن من ذلك بعض الفصاحة.
بن صوحان: "صدق نبي الله؛ فإن الرجل يكون عليه الحق وهو ألحن بالحجج من صاحب الحق، فيسحر القوم ببيانه فيذهب بالحق". وقال ابن عبد البر: " تأولته طائفة على الذم؛ لأن السحر مذموم، وذهب أكثر أهل العلم وجماعة أهل الأدب إلى أنه على المدح؛ لأن الله تعالى مدح البيان. قال: وقد قال عمر بن عبد العزيز لرجل سأله عن حاجة فأحسن المسألة فأعجبه قوله. قال: "هذا والله السحر الحلال"". انتهى.
والأول أصح، والمراد به البيان الذي فيه تمويه على السامع وتلبيس، كما قال بعضهم:
في زخرف القول تزيين لباطله ... والحق قد يعتريه سوء تعبير
مأخوذ من قول الشاعر:
تقول هذا مُجاج النحل تمدحه ... وإن تشأ قلت ذا قيء الزنابير
مدحا وذما وما جاوزت وصفهما ... والحق قد يعتريه سوء تعبير
قوله: " إن من البيان لسحرا ". هذا من التشبيه البليغ؛ لكون ذلك يعمل عمل السحر، فيجعل الحق في قالب الباطل، والباطل في قالب الحق، فيستميل به قلوب الجهال، حتى يقبلوا الباطل وينكروا الحق، ونسأل الله الثبات والاستقامة على الهدى.
وأما البيان الذي يوضح الحق ويقرره، ويبطل الباطل ويبينه، فهذا هو الممدوح، وهكذا حال الرسل وأتباعهم، ولهذا علت مراتبهم في الفضائل وعظمت حسناتهم. [1] مسلم: البر والصلة والآداب (2606) , وأحمد (1/437) .