هو الضلال البعيد، يدعو أصحابه إلى أن يعبدوه من دون الله، ويسألوه ما لا يقدر عليه من قضاء حاجاتهم وتفريج كرباتها. وقد قال تعالى: {يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُ وَمَا لا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُيَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ} [1].
وقال تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [2]. وقال تعالى: {فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [3]. وأمثال هذا في القرآن كثير، يبين الله تعالى به الهدى من الضلال.
ومن هذا الضرب: مَنْ يدّعي أنه يصل مع الله إلى حال تسقط فيها عنه التكاليف; ويدعي أن الأولياء يُدعون ويستغاث بهم في حياتهم ومماتهم، وأنهم ينفعون ويضرون ويدبرون الأمور على سبيل الكرامة، وأنه يطلع على اللوح المحفوظ، يعلم أسرار الناس وما في ضمائرهم; ويجوز بناء المساجد على قبور الأنبياء والصالحين وإيقادها بالسرج ونحو ذلك من الغلو والإفراط والعبادة لغير الله، فما أكثر هذا الهذيان والكفر والمحادة لله ولكتابه ولرسوله!
وقوله صلي الله عليه وسلم: " وانما أخاف على أمتي الأئمة المضلين " أتى بإنما التي قد تأتي للحصر بيانا لشدة خوفه على أمته من أئمة الضلال; وما وقع في خَلَد النبي صلي الله عليه وسلم من ذلك إلا لما أطلعه الله عليه من غيبه أنه سيقع نظير ما في الحديث قبله من قوله: " لتتبعن سنن من كان قبلكم " [4] الحديث.
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " إن أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون " [5]. رواه أبو داود الطيالسي. وعن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: " إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين " [6] رواه الدارمي.
وقد بين الله تعالى في كتابه صراطه المستقيم الذي هو سبيل المؤمنين. فكل من أحدث حدثا ليس في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلي الله عليه وسلم فهو ملعون وحدثه مردود، كما قال صلي الله عليه وسلم: " من أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا " [7]. وقال: " من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد " [8]. وقال: " كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة " [9]. وهذه [1] سورة الحج آية: 12-13. [2] سورة الفرقان آية: 3. [3] سورة العنكبوت آية: 17. [4] البخاري: أحاديث الأنبياء (3456) , ومسلم: العلم (2669) , وأحمد (3/84 ,3/89 ,3/94) . [5] صحيح. الطيالسي (975) . وأحمد (6/441) والطبراني. وفيه راويان لم يسميا كما قال الهيثمي في المجمع (5/239) . والحديث صحيح لشواهده. وراجع مجمع الزوائد (5/239,240) . وصححه الألباني في الصحيحة (1582) وصحيح الجامع (1547) . (*) وعزو الحديث لأبي داود كما فعل المؤلف وهم. [6] صحيح: الدارمي (1/70) , (2/311) . وإسناده صحيح على شرط مسلم كما قال الألباني في الصحيحة (4/110) . والحديث أخرجه أيضا: أحمد (5/278,284) . وأبو داود: كتاب الفتن (4252) : باب ذكر الفتن ودلائلها. وابن ماجة: كتاب الفتن (3952) : باب ما يكون من الفتن وراجع تخريج رقم [206] . [7] البخاري: كتاب فضائل المدينة (1870) : باب حرم المدينة. كتاب الفرائض (6755) : باب إثم من تبرأ من مواليه. ومسلم: كتاب الحج (1370) (467) : باب فضل المدينة. من حديث علي رضي الله عنه. والبخاري: كتاب الاعتصام (7306) : باب إثم من آوى محدثا. ومسلم: كتاب الحج (1366) (463) : باب فضل المدينة من حديث أنس رضي الله عنه. [8] البخاري: كتاب الصلح (2697) : باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود, ومسلم: كتاب الأقضية (1718) . (17) : باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور من حديث عائشة رضي الله عنها. [9] صحيح. وهو جزء من حديث العرباض بن سارية أخرجه أبو داود: كتاب السنة (4607) : باب لزوم السنة. وأحمد في المسند (4/127) وغيرهما وهو حديث صحيح. راجع السنة لابن أبي عاصم (27) . وفي الباب عن ابن مسعود عند ابن ماجة (46) . وعن جابر عند النسائي (3/188) .