باب: " من الشرك الاستعاذة بغير الله"
قوله باب "من الشرك الاستعاذة بغير الله".
"الاستعاذة" الالتجاء والاعتصام، ولهذا يسمى المستعاذ به: معاذا وملجأ. فالعائذ بالله قد هرب مما يؤذيه أو يهلكه إلى ربه ومالكه واعتصم واستجار به والتجأ إليه، وهذا تمثيل، وإلا فما يقوم بالقلب من الالتجاء إلى الله; والاعتصام به، والانطراح بين يدي الرب، والافتقار إليه والتذلل له أمر لا تحيط به العبارة. قاله ابن القيم - رحمه الله -.
وقال ابن كثير: "الاستعاذة هي الالتجاء إلى الله والالتصاق بجنابه من شر كل ذي شر. والعياذ يكون لدفع الشر. واللياذ لطلب الخير". انتهى.
قلت: وهي من العبادات التي أمر الله تعالى بها عباده; كما قال تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [1]. وأمثال ذلك في القرآن كثير كقوله: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [2] و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [3]. فما كان عبادة لله فصرفه لغير الله شرك في العبادة، فمن صرف شيئا من هذه العبادات لغير الله جعله شريكا لله في عبادته، ونازع الرب في إلهيته، كما أن من صلى لله وصلى لغيره يكون عابدا لغير الله ولا فرق، كما سيأتي تقريره قريبا إن شاء الله تعالى.
قوله: وقول الله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} [4]. [1] سورة فصلت آية: 36. [2] سورة الفلق آية: 1. [3] سورة الناس آية: 1. [4] في قرة العيون: قال أبو جعفر بن جرير - رحمه الله تعالى - في تفسيره هذه الآية عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: كان رجال من الإنس يبيت أحدهم بالوادي في الجاهلية، فيقول: أعوذ بعزيز هذا الوادي فزادهم ذلك إثما. وقال بعضهم: فزاد الإنس والجن باستعاذتهم بالجن باستعاذتهم بعزيزهم جراءة عليهم وازدادوا هم بذلك إثما. وقال مجاهد: فازداد الكفار طغيانا، وقال ابن زيد: وزادهم الجن خوفا.