يقول الإمام الحجة محمد بن جرير الطبري في كتابه "تهذيب الآثار": "فإن قال لنا قائل: ومن هم المرجئة؟ وما صفتهم؟
قيل: إن المرجئة هم قوم موصوفون بإرجاء أمر مختلف فيما ذلك الأمر؟ فأما إرجاؤه فتأخيره، وهو من قول العرب: أرجأ فلان هذا الأمر فهو يرجئه إرجاء، وهو مرجئه، بهمز. وأرجاه فلان يرجيه أرجا، بغير الهمز فهو مرجيه، ومن قول الله تعالى ذكره: «وآخرون مرجون لأمر الله» .
يقرأ بالهمزة وغير الهمز بمعنى مؤخرون لأمر الله، وقوله مخبراً عن الملأ من قوم فرعون: «قالوا أرجه وأخاه» . بهمز أرجه وبغير الهمز [1] .
فأما الأمر الذي بتأخيره سميت المرجئة مرجئة، فإن ابن عيينة كان يقول فيما حدثني عبد الله بن عمير الرازي قال: سمعت إبراهيم بن موسى - يعني الفراء الرازي - قال: سئل ابن عيينة عن الإرجاء؟ فقال: الإرجاء على وجهين: قوم أرجوا أمر علي وعثمان، فقد مضى أولئك. فأما المرجئة اليوم فهم يقولون: الإيمان قول بلا عمل. فلا تجالسوهم ولا تؤاكلوهم ولا تشاربوهم ولاتصلوا معهم ولا تصلوا عليهم ". (2)
ثم قال الطبري - بعد نقل آثار عنهم-: "والصواب من القول في المعنى الذي من أجله سميت مرجئة أن يقال: إن الإرجاء معناه ما بيناه قبل من تأخير الشيء، فمؤخر أمر علي وعثمان رضي الله عنهما وتارك ولايتهما والبراءة منهما مرجئاً أمرهما فهو مرجئ، ومؤخر العمل والطاعة عن الإيمان مرجئهما عنه فهو مرجئ.
غير أن الأغلب من استعمال أهل المعرفة بمذاهب المختلفين في الديانات في دهرنا هذا الاسم فيمن كان من قوله: الإيمان قول بلا عمل، وفيمن كان مذهبه أن الشرائع ليست من الإيمان، وأن الإيمان إنما هو التصديق بالقول دون العمل المصدق بوجوبه" (3) [1] هذا هو معنى الإرجاء لغة، والإمام الطبري حجة في اللغة والقراءات، فلم أشأ التطويل بذكر ما أطالت فيه كتب اللغة، وانظر تاج العروس (10/145)
(2) 2/181) ، تحقيق الدكتور ناصر بن سعد الرشيد وزميله.
(3) 2/185) ولعل في آخر جملة نقصاً، وصحتها: " من المصدق بوجوبه ".