* الخلاصة والنتيجة:
نخلص من هذا العرض لفرق الخوارج واختلافاتها واتجاهاتها الثلاثة في الخلاف - كما أشرنا - إلى أن الحكم على مرتكب الكبيرة هو أساس أصولهم، ومجمع زمامها، سواء المجمع عليه منها، أو المختلف فيه، وبحسب الحكم عليه يكون الحكم على الدار التي ينتمي إليها.
فإذا ما عدنا إلى منبع الفكرة وسببها، وهو حادثة التحكيم، وعرفنا أن مرتكب الكبيرة عندهم إنما هو بالقصد الأول علي وعثمان ومعاوية وعمرو وأبو موسى وطلحة والزبير.. إلخ، وأن كل من ارتكب كبيرة بعدهم، فالحكم عليه في نظر أي فرقة من الخوارج، إنما هو بحسب حكمها على أولئك الأصحاب السابقين.
إذا علمنا ذلك، برزت لنا حقيقة مهمة، وهي أن طائفة من الخوارج "تشمل فرقاً أو بعض فرق" تقف من الحكم على الأصحاب المختلفين في الفتنة موقفاً وسطاً، بين قول المحكمة والأزارقة، الذين يكفرونهم رأساً، وبين قول الإباضية ونحوهم، ممن يقول: هم كفار نعمة.
وهذا الموقف هو التوقف والإرجاء، أي إرجاء حكمهم في الآخرة إلى الله تعالى، مع إثبات اسم الإيمان لهم في الدنيا، بناء على الأصل الذي اتخذته أكثر فرق التوقف، وهو أن كل معصية دون الكفر لا يطلق على صاحبها اسم الكفر، ولا ينفى عنه اسم الإيمان.
فتكون خلاصة عقيدة هذه الطائفة: "أن كل من ارتكب كبيرة، دون الشرك بالله تعالى، فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، أما في الدنيا فنحن نجزم بكفر من أشرك بالله فقط، وما عداه نثبت له اسم الإيمان".
وبغض النظر عن مفهومهم لمصطلحي "الكفر والإيمان"، ومدى موافقته لأهل السنة والجماعة من عدمها، المهم هو أنهم لا يحكمون على مرتكب الكبيرة، كالزنا والقذف والسرقة بالكفر والخلود في النار، كعامة الخوارج، بل يرجئون أمره إلى الله تعالى، فإذا ما أرادوا تطبيق هذا الأصل على ما تقرر لديهم، من كون الصحابة المختلفين في الفتنة مرتكبين للكبائر، كانت النتيجة: أن عثمان وعلياً وطلحة