وأما اعتماد مؤلفي "ضحى الإسلام" ومن تابعهم كالشيخ أبي زهرة، على قول المأمون: "وأما ربيعة فساخطة على الله منذ بعث نبيه من مضر، وما خرج اثنان إلا كان أحدهما شاريا" [1] فليس في محله؛ لأن العبارة إن صحت فهي تتحدث عن خصوص قبيلة ربيعة، لا عن الخوارج عامة، وقد نظرت في أسماء قادة الخوارج وزعمائهم بالنهروان فلم أجد فيها ربيعا [2] .
أما قبيلة بني تميم في الجملة فالمشهور عنها الفخر بكون النبوة والخلافة في مضر، وقد كان الفرزدق وجرير، وهما أشهر شعراء ذلك العصر، يفتخران بذلك وكلاهما من تميم - ويعيران الأخطل كل منهما من جهته - بأن قبيلته ربيعة محرومة من هذا الشرف.
وفي نونية جرير المشهورة:
إن الذي حرم المكارم تغلبا جعل النبوة والخلافة فينا (3)
وهذا ما يتفق وعبارة المأمون.
ولا يضير هذه الحقيقة أن يكون دافع الردة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم هو التعصب القبلي - أومن دوافعها - وأن يشترك المرتدون والخوارج أحيانا في النسب؛ فإن أي باحث منصف لا يمكن أن يصنف القراء المتعمقين [4] والمرتدين في صنف واحد، بجامع العصبية القبلية ضد قريش.
إذ يستحيل تصور اللقاء بين فكر متشدد في الدين متعمق فيه إلى حد اعتبار الخطأ أو المعصية كفرا، وبين دعوة تجاهر بادعاء النبوة وإسقاط بعض الفرائض.
والحق أن الذي جعل دافع الفريقين وغرضهما واحدا، مستدلا باشتراكهما في النسب، قد جازف مجازفة يمنعها العدل والإنصاف، حتى لو كان حرقوص بن زهير [1] أي خارجيا وهذه العبارة التي نقلوها أوردها ابن طيفور في تاريخ بغداد المحقق باسم بغداد في تاريخ الخلافة العباسية، ص 146. [2] مع أن فيهم من غير بني تميم من هو خثعمي أو سلمي، انظر الطبري (5/85،76)
(3) ديوان جرير، تحقيق كرم البستاني، ص 476، وتغلب المنسوب إليها الأخطل فرع من ربيعة كما هو معلوم. [4] هذا هو أصل تسمية الخوارج قبل صفين، وبقي يطلق عليهم بعدها.