فقال الخوارج: قد محوت عن نفسك إمرة المؤمنين فأنت إذن أمير الكافرين! وعندما قيل لهم: عودوا إلى طاعة أمير المؤمنين ولا تشقوا العصا، قالوا: إذا جئتمونا بمثل عمر فعلنا [1] ،ولما لم يأتهم أحد بمثل عمر اختاروا لإمرة المؤمنين عبد الله بن وهب الراسبي!! وهو أعرابي بوال على عقبيه، لا سابقة له ولا صحبة ولا فقه. ولا شهد الله له بخير قط [2] . وتجرأ أشقاهم واغتال أمير المؤمنين، وهو أفضل من على وجه الأرض يومئذ، فما ندم ولا جزع ولما قطع لسانه جزع لفوات ذكر الله عنه كما قال [3] .
ومر عليهم عبد الله بن خباب، فقالوا له: أنت ابن خباب صاحب النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، قالوا: فحدثنا عن أبيك، فحدثهم بحديث: "يكون فتنة فإن استطعت أن تكون عبد الله المقتول فكن". فقدموه فضربوا عنقه، ثم دعوا سريته وهي حبلى فبقروا عما في بطنها، وكانوا قد مروا على ساقية فأخذ واحد منهم تمرة فوضعها في فيه فقالوا له: تمرة معاهد فيم استحللتها؟ فقال لهم عبد الله بن خباب: أنا أعظم حرمة من التمرة، فلم يبالوا بأن يقتلوه كما بالوا بحرمة تمرة النصراني [4] !!
ومن النماذج الكثيرة لذلك قصة طويلة، أصلها فتوى فقهية فرعية، لكن تشعب عنها من الآراء والفرق ما يدعو إلى العجب.
وذلك أنه "كان رجل من الإباضية [5] يقال له "إبراهيم" أفتى بأن بيع الإماء من مخالفيهم جائز، فبرئ منه رجل يقال له: "ميمون" وممن استحل ذلك.
ووقف قوم منهم فلم يقولوا بتحليل ولا بتحريم، وكتبوا يستفتون العلماء منهم في ذلك فأفتوا:
أ - بأن بيعهن حلال وهبتهن حلال في دار التقية.
ب - ويستتاب أهل الوقف من وقفتهم في ولاية إبراهيم ومن أجاز ذلك.
ج - وأن يستتاب ميمون من قوله. [1] انظر: الطبري (5/84) ، والفتح - المصدر السابق -. [2] الفصل، ابن حزم (4/157) . [3] تلبيس إبليس، ص 95. [4] انظر: الفتح (12/297) ، والكامل (7/241) ، مع شرحه رغبة الآمل. [5] فرقة منهم منسوبة إلى عبد الله بن إباض، وهي على غلوها ومروقها تعد من أخف فرقهم، وما يزالون إلى اليوم في عمان وبلاد المغرب وزنجبار.