الوجه الأول من الأدلة العقلية على صحة ما ذهب إليه السلف
قال رحمه الله تعالى: [فمن المحال في العقل والدين أن يكون السراج المنير الذي أخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور، وأنزل معه الكتاب بالحق؛ ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، وأمر الناس أن يردوا ما تنازعوا فيه من أمر دينهم إلى ما بعث به من الكتاب والحكمة، وهو يدعو إلى الله وإلى سبيله بإذنه على بصيرة، وقد أخبر الله بأنه أكمل له ولأمته دينهم وأتم عليهم نعمته - محال مع هذا وغيره أن يكون قد ترك باب الإيمان بالله والعلم به ملتبساً مشتبهاً، ولم يميز بين ما يجب لله من الأسماء الحسنى والصفات العليا، وما يجوز عليه وما يمتنع عليه.
فإن معرفة هذا أصل الدين وأساس الهداية، وأفضل وأوجب ما اكتسبته القلوب وحصلته النفوس وأدركته العقول، فكيف يكون ذلك الكتاب وذلك الرسول وأفضل خلق الله بعد النبيين لم يحكموا هذا الباب اعتقاداً وقولاً؟!] : هذا هو الوجه الأول من الأدلة العقلية على صحة ما ذهب إليه السلف الصالح فيما يتعلق بالله عز وجل وأسمائه وصفاته، إذ إن من المحال كما قال المؤلف رحمه الله: (فمن المحال في العقل والدين أن يكون السراج المنير الذي بعثه الله لإخراج الناس من الظلمات إلى النور) أن يترك إخبار الناس وتعليمهم ما يتعلق بالله عز وجل فقال: (محال مع هذا وغيره أن يكون قد ترك باب الإيمان بالله والعلم به ملتبساً مشتبهاً) .
وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أتى معلما، وكما أشار الشيخ رحمه الله إلى أن أولى ما يتعلمه الناس وآكد ما يحتاجون إلى معرفته هو ما يتعلق بالله عز وجل وأسمائه وصفاته؛ لأنهم يعبدونه، والخلق لا يعبدون شيئاً مجهولاً، فقد فُطرت قلوبهم ونفوسهم على أن يعبدوا ما يعلمون، فكلما ازداد العبد لله معرفة كلما ازداد له عبودية، ولذلك إذا أردت أن تعرف درجة العبد من العبودية فانظر إلى درجته من المعرفة بالله عز وجل، فإن كان عالماً بالله عالماً بأمره، فإنه في أكمل درجات العبودية؛ ولذلك قال النبي صلي الله عليه وسلم: (والله إني لأعلمكم بالله وأخشاكم له) فجعل العلم سبباً للخشية، والخشية إنما تكون بعد العلم بالله وصفاته وأفعاله جل وعلا.
فكون الرسول صلى الله عليه وسلم على هذه الحال، وكون الله شهد له بأنه أكمل الدين وأتم عليه النعمة، يوجب الوقوف على ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم دون زيادة ولا نقصان، وإن أي زيادة أو أي نقصان أو أي اختيار غير ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم هو محض ضلال، فإن الله قد سد الطرق الموصلة إليه إلا طريق النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك لما ينتهي أهل الجنة من العبور على الصراط المضروب على متن جهنم، ويريدون دخول الجنة، فإنه لا يفتح لهم إلا عن طريقه، فيطرق صلى الله عليه وسلم الباب فيقول خازنها: من؟ فيقول: محمد، فيقول الخازن: بك أمرت لا أفتح لأحد من قبلك، وهذا يدل دلالة واضحة على أن كل طريق يسلكه العبد غير طريق النبي صلى الله عليه وسلم للوصول إلى مرضاة الله ونعيمه في الدنيا والآخرة، لا يحصل بذلك إلا ضلالاً، وأنه لن يصل إلا عن طريق صراط الله المستقيم الذي بينه النبي صلى الله عليه وسلم.