وأما الشفاعة التي اختلفت فيها فرق الأمة الإسلامية فمنهم من أنكرها بالكلية وهم المعتزلة والخوارج وسبب إنكارهم لها هو الغلو، فالذين غلوا في نفي الشفاعة هم في الأصل ممن غلا في العبادة والطاعة بزعمه، فخرج به ذلك عن الصراط المستقيم، والشيطان يخرج المرء عن الصراط المستقيم وعن الجادة، إما بالغلو في الطاعة، فيفعل ما لم يشرع الله تعالى، وإما بالتقصير في العبادة حتى يتركها بالكلية عافنا الله وإياكم من ذلك.
وأهل السنة والجماعة دائماً وسطاً بين غلو الغالين، وبين تفريط المفرطين فقد كان الخوارج من أعبد الناس، حتى أن ركبهم كانت كركب الإبل من كثرة الركوع والسجود، وشحوب اللون في وجوههم من كثرة السهر بالقراءة والتلاوة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في وصفهم ((تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم وعبادتكم إلى عبادتهم) وكذلك المعتزلة قد يقول قائل: المعتزلة زنادقة في الغالب وبالأخص المؤسسين، فكيف يكونو مجتهدين في العبادة؟
ولكن في الحقيقة أن أوائل المعتزلة كانوا من الغلاة في التعبد.
ومنهم: عمرو بن عبيد إمام المعتزلة الأول مع واصل بن عطاء وكان عمرو بن عبيد من أشد الناس زهداً في الدنيا، وكان شديد التنسك وشديد العبادة كأنه من الخوارج -وهو كذلك- فهم في الحقيقة فرقة من الخوارج، أو أقرب الناس إليهم، واختلط المذهبان فيما بعد حتى أصبحا شيئاً واحداً، فكان هذا هو حال أولئك المعتزلة، ولكن الأمر ليس أمر اجتهاد في العبادة، ولكن الأمر أمر اتباع، فمهما اجتهد المجتهد ولم يتبع، فإنه سيخرج ويضل، فهؤلاء لم يتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، ولذا غلوا في الحكم على مرتكب الكبيرة.