وهذه السعادة ليست مرئية واضحة، لكن إذا كَانَ عندك عمارة ثلاثين دوراً فإن كل النَّاس - التجار والأغنياء والملوك - يقولون: ليت عندنا مثله؛ لأنهم يرونها، لكن طمأنينة القلب لا يراها أحد، فيتصورون أنك تعيش في ضيق، وفي ألم، ولا يعلمون أنك تجد الراحة العظيمة في ترفعك عن هذه الشهوات التي لو عرضت عليك عرضاً لأبيتها، ولو عرضت عليك وأعطيت معها ملايين الدنيا لأبيت.
ولو وجدتم مَنْ مَنَّ الله عليه بالهداية لتعجبتم منه، يخبركم: كيف كَانَ في حالة المعصية! وكيف كَانَ يبحث عن اللذة والشهوة في كل مكان! فلا يجد إلا الشقاء والخسارة والنكد والضيق في الحياة، والهم الذي لا يفارقه، فلما آمن واطمأن بالله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أصبح يرى السعادة الحقيقية، ولو فقد هذا المؤمن التقي ابنه أو زوجه فإنه يطمئن إِلَى قول الله تعالى: الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:156-157] ويفرح لأنه موعود بصلوات من الله، ورحمة، وهداية، ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، إن لله ما أخذ وله ما أعطى، فيجد الطمأنينة والراحة في موقف ألم وبكاء وحزن، لكن الذي لا يؤمن بالله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لا يشعر بهذه السعادة، فإذا غيرته المعشوقة وعشقت أو هويت غيره انتحر.