قَالَ: "وقتلي شهادة" أي: وإذا قتل فالْحَمْدُ لِلَّهِ هذه الشهادة، وماذا يريد المؤمن أعظم من أن ينال الشهادة نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يجعلنا من أهلها.
فهذه هي السعادة التي يتكلم عنها علماء السلف فيقولون: "لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نَحْنُ فيه من السعادة لجالدونا عليها بالسيوف" يعني: لو يعلم أصحاب الدنيا والمال والملك والجاه والسلطان لقاتلونا عليها، لأن السعادة في نظرهم هي التمتع بملاذ الدنيا من أكل وشرب ونساء، وهذه هي الغاية التي يريدونها من السعادة.
وأكثر النَّاس يبحثون عن السعادة، لكن طريقهم ليس هو طريق السعادة؛ لأن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- جعل الحياة الدنيا طريق الشقاوة، "شقاوة المعيشة والضنك" عَلَى أرجح التفسيرين: ومعايش: جمع معيشة وهي الحياة، وبعدها وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى [طه:124] .
الحياة الدنيا معيشة ضنكا، وهذا أرجح من أن نقول: إنها في القبر، ثُمَّ يَوْمَ القِيَامَةِ يحشر أعمى، فأين السعادة وأين الطمأنينة!! يبحثون عنها فلا يجدونها ولو أن أحداً من هَؤُلاءِ النَّاس في أثناء بحثه عن السعادة قيل له: صلِّ في جوف الليل، واحضر مجالس الذكر والعلم، وحافظ عَلَى صلاتك في الجماعة، وغير ذلك من الطاعات، فإن الشيطان يخيل له أن هذا هو غاية الشقاوة.
فهو فار من الشقاوة، ويريد الرفاهية والطمأنينة والسعادة، ووالله لو دخل في الطاعة لوجد ما يسعى إليه، ولو قيل لمن أقبل عَلَى الله يذكره ويطيعه: ما هي السعادة التي تشعر بها؟ لقَالَ: نَحْنُ في سعادة ولو علم الملوك وأبناء الملوك ما نَحْنُ فيه لجالدونا عليه بالسيوف.