عقيدة أهل السنة إفراد الله عز وجل في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته
يقول رحمه الله: (نقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله) .
أي: أن هذا الاعتقاد وهذا القول ليس من جهدنا، ولا من كدنا، ولا من عملنا، ولا من جودة أفكارنا وعقولنا، بل هو بتوفيق الله، وهذا فيه تفويض الأمر إلى الله جل وعلا، لينفي العبد عن نفسه العجب، فإن الإنسان إذا نظر إلى عمله على أنه كسبه ومن جهده وكده اغتر ووقع في العجب الذي يحبط العمل، لكنه إذا أوكل ذلك إلى فضل الله عز وجل، وأسند ما هو فيه من خير إلى نعمة الله ورحمته كان ذلك من أسباب زيادة الخير فيه، وشكره لهذه النعمة، وفرحه بها، وعمله بها بتوفيق الله.
ثم بين رحمه الله في أول ما ذكره في هذه العقيدة المباركة: تقرير توحيد الإلهية، بل قرر رحمه الله في هذا الإلهية والربوبية والأسماء والصفات، فقال: [إن الله واحد لا شريك له، واحد في أسمائه وصفاته، واحد في ربوبيته، واحد في إلهيته] وهذا فيه غاية التوحيد في جميع أبوابه وأصنافه؛ في توحيد الربوبية، وفي توحيد الإلهية، وفي توحيد الأسماء والصفات.
(لا شريك له) هذا فيه تقرير أنه لا شريك له في إلهيته، ولا في ربوبيته، ولا في أسمائه وصفاته، ففي هذه الجملة: أثبت التوحيد بأنواعه الثلاثة، وأن الله جل وعلا لا شريك له في هذه الأنواع الثلاثة كلها، وحقيقة توحيد الربوبية اعتقاد أن الله الواحد في ربوبيته، وأن تعتقد بأنه الخالق الرازق المالك المدبر المحيي المميت.
وحقيقة اعتقاد أن الله واحد في صفاته: أن تثبت له ما أثبت لنفسه من الأسماء والصفات، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، وأنه ليس كمثله شيء في صفاته سبحانه وتعالى.
ومما يتحقق به أن الله واحد بإلهيته: أن تفرده سبحانه وتعالى بالعبادة، فلا تشرك معه ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً، بل جميع العبادات له وحده دون غيره، وبهذا يتحقق عقد: إن الله وحده لا شريك له.
وقد أحسن المؤلف رحمه الله حيث قدم هذه العقيدة بهذا الاعتقاد، وبهذه الجملة التي تضمنت إثبات الكمال بالتوحيد لله سبحانه وتعالى في الإلهية وفي الربوبية وفي الأسماء والصفات.
مسألة: هل هناك أنواع أخرى من التوحيد تدخل في قول: إن الله واحد لا شريك له؟
A لا.
جميع أنواع التوحيد مندرجة تحت هذه الثلاثة، فمثلاً ما يتكلم عنه ابن القيم رحمه الله من توحيد المحبة، فهو من جملة توحيد الإلهية، وتوحيد التوكل أيضاً من جملة توحيد الإلهية والربوبية، فجميع الأقسام التي تذكر على وجه الانفراد من أنواع التوحيد لابد وأن تندرج تحت أصل من هذه الأصول الثلاثة: - إما توحيد الإلهية.
- أو توحيد الربوبية.
- أو توحيد الأسماء والصفات.
ولذلك جرى عمل العلماء رحمهم الله منذ زمن بعيد على الاقتصار في ذكر أقسام التوحيد على هذه الأقسام الثلاثة، ولا حاجة إلى مزيد تقسيمات؛ لأن كثرة التقسيمات يحصل بها التشويش، ومعلوم أن التقسيم مقصوده في الأصل التسهيل، فإذا أكثرنا التفصيل انفرط العقد، وأصبح للمحبة توحيد، وللخشية توحيد، وللخوف توحيد، وللحكم توحيد وهلم جراً، مع أن هذه كلها يمكن أن تندرج في الأقسام التي جرى عليها كلام أهل العلم، واستقر عليها الأئمة من تقسيم التوحيد إلى: توحيد الربوبية، وتوحيد الإلهية، وتوحيد الأسماء والصفات، ولا حاجة إلى المزيد، بل كل من زاد نقول له: هذا القسم يندرج تحت هذا النوع وانتهى الأمر، ولا حاجة إلى تشقيق أكثر من هذا.
فجميع صور التوحيد وأنواعه تندرج في قوله رحمه الله: (إن الله واحد لا شريك له) .
والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله.