حدث الخوض فيهما بسبب الإرجاء الذي نشأ في الأمة بفعل أهل الأهواء، ولهذا ذم سلف الأمة الإرجاء وما يشتمل عليه من عقائد منحرفة، منها عدم القول بزيادة الإيمان ونقصانه ومنها القطع بالإيمان عند الله وبكمال الإيمان.
يقول محمد بن الحسين الآجري رحمه الله: "احذروا رحمكم الله قول من يقول: إن إيمانه كإيمان جبريل وميكائيل، ومن يقول: أنا مؤمن عند الله، وأنا مؤمن مستكمل الإيمان، هذا كله مذهب أهل الإرجاء"[1].
ثم ساق بسنده إلى الأوزاعي أنه قال: "ثلاث هن بدعة: أنا مؤمن مستكمل الإيمان، وأنا مؤمن حقاً، وأنا مؤمن عند الله تعالى"[2].
وأول الخوض في مسألة الاستثناء هذه وسببه هم المرجئة، بل إن أصل الإرجاء وأس نشأته هو ترك الاستثناء في الإيمان، كما قال عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله: "إذا ترك الاستثناء فهو أصل الإرجاء"[3]، وفي لفظ آخر له "أول الإرجاء ترك الاستثناء"[4]، وفي لفظ ثالث له: "أصل الإرجاء من قال إني مؤمن"[5].
ولهذا كان أئمة السلف كالإمام أحمد وغيره يكرهون سؤال الرجل لغيره أمؤمن أنت؟ ويكرهون الجواب عن ذلك؛ لأن هذه بدعة أحدثها المرجئة ليحتجوا بها لقولهم، فإن الرجل يعلم من نفسه أنه ليس بكافر، [1] الشريعة للآجري (ص 146) . [2] المصدر السابق. [3] رواه الآجري في الشريعة (ص 136) ، وابن بطة في الإبانة (2/871) . [4] رواه الخلال في السنة (3/598) . [5] رواه الطبري في تهذيب الآثار برقم (1023) .