ولهذا فإن سلفنا الصالح، اشتد نكيرهم على هذا القول من أول حدوثه، رغم خفته عما هو عليه الآن، فلما قال به حماد بن أبي سليمان وهو أول من قال به، ثم تبعه عليه من تبعه من أهل الكوفة وغيرهم، أنكر عليهم السلف أشد الإنكار وأغلظوا القول فيهم، كما بين ذلك شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله تعالى حيث قال: "ثم إن السلف والأئمة اشتد إنكارهم على هؤلاء وتبديعهم وتغليظ القول فيهم، ولم أعلم أحداً منهم نطق بتكفيرهم، بل هم متفقون على أنهم لا يكفرون في ذلك وقد نص أحمد أو غيره من الأئمة على عدم تكفير هؤلاء المرجئة، ومن نقل عن أحمد أو غيره من الأئمة تكفيراً لهؤلاء، أو جعل هؤلاء من أهل البدع المتنازع في تكفيرهم فقد غلط غلطاً عظيماً والمحفوظ عن أحمد وأمثاله من الأئمة إنما هو تكفير الجهمية المشبهة وأمثال هؤلاء"[1].
ومرادي من هذا النقل التدليل على أن السلف الصالح اشتد نكيرهم وأغلظوا القول فيمن قال بالإرجاء، ولهذا سمى أبو عبيد القاسم بن سلام من قال بأن الإيمان يزيد وبنقص -وعدد الذين ذكرهم جاوز المائة والثلاثين رجلاً- ومرادهم بذلك إظهار المخالفة لمن قال بعدم الزيادة والنقصان "ذكر من الكوفيين من ذلك أكثر مما ذكر من غيرهم؛ لأن الإرجاء في أهل الكوفة كان أولاً فيهم أكثر، وكان أول من قاله حماد بن أبي سليمان، فاحتاج علماؤها أن يظهروا انكار ذلك، فكثر منهم من قال ذلك"[2].
ومثل هذا ما رواه اللالكائي بإسناده عن يعقوب بن سفيان أنه قال: [1] الفتاوى (7/ 507) . [2] الفتاوى (7/311) .