نفي القدرة المطلقة والاستقلال بعلم الغيب عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم:
وقال اللَّه تعالى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} الأعراف.
وقد خاطب اللَّه في هذه الآية سيد الأنبياء، ومنه تعلم الناس الدين، وباتباعه واقتفاء آثاره نال من نال الشرف عند الناس، والمنزلة عند اللَّه، فأمره بأن يخبر الناس بخبره، حتى يقيس به الناس غيره، فإذا كان هو لا يقدر على شيء ولا يعلم الغيب، ولا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا، ولو كان يعلم الغيب لعرف عواقب الأمور، فإذا عرف عن أمر أنه يؤول إلى نجاح أقدم إليه، وأقبل عليه، وإذا عرف أنه لا خير فيه، أمسك عنه وزهد فيه [1] .
وقد نفى النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه الشريفة القدرة المطلقة، والعلم بالغيب، إنما أكرمه اللَّه بالرسالة، وشرفه بالنبوة، والنبي مكلف بالإنذار والتبشير لا غير، ينذر السيئات بسخط اللَّه وعذابه، {وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا} ولا ينفع الإنذار والتبشير إلا أهل الإيمان [2] ، وليس من شأن النبي أن يخلق الإيمان في قلوب الناس، إنما هو خلق اللَّه. [1] صح من قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «ولو أني استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي» (صحيح مسلم، كتاب الحج، ص 390، ج 1) . [2] يقول اللَّه عز وجل: إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ [يس: 11] .