الفرقان أن وصف الله بالاستواء صادر عن خبير بالله وصفاته، عالم بما يليق به وبما لا يليق، وذلك في قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً} [1]؛ فتأمل قوله: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً} ، بعد قوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش} تعلم أن من وصف الرحمن بالاستواء على العرش خبير بالرحمن وبصفاته، لا يخفى عليه اللائق من الصفات وغير اللائق. فالذي نبأنا بأنه استوى على عرشه هو العليم الخبير الذي هو الرحمن، وقد قال تعالى: {وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [2]. وبذلك تعلم أن من يدعي أنّ الاستواء يستلزم التشبيه، وأنه غير لائق: غير خبير؛ نعم والله هو غير خبير، وسنذكر إن شاء الله أن أئمة المتكلمين المشهورين رجعوا كلهم عن تأويل الصفات" [3]. ثم شرع -رحمه الله- في إيراد هؤلاء السعداء بعاقبتهم فرداً فرداً:
[1] أبو الحسن الأشعري رحمه الله:
أوضح الشيخ الأمين –رحمه الله- أن أبا الحسن الأشعري رجع عن مذهبه إلى معتقد السلف، كما تدلّ على ذلك مؤلفاته الأخيرة، فهو برىء من أشعرية اليوم الذين يدعون أنه حرف بعض صفات الباري جلّ وعلا.
قال -رحمه الله-: "فمن ادعى على أبي الحسن الأشعري أنه يؤول صفة من الصفات كالوجه، واليد، والاستواء، ونحو ذلك، فقد افترى عليه افتراء عظيماً. بل الأشعري -رحمه الله- مصرح في كتبه العظيمة التي صنفها بعد رجوعه عن الاعتزال؛ كـ (الموجز) ، و (مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين) [4]، و (الإبانة عن أصول الديانة) [5] أن معتقده الذي يدين الله به [1] سورة الفرقان، الآية [59] . [2] سورة فاطر، الآية [14] . [3] أضواء البيان 7/467-468. [4] انظر مقالات الإسلاميين 1/345-350؛ حيث صرح بمعتقده. [5] انظر الإبانة ص17. وكذا انظر: رسالة أهل الثغر؛ فهي على معتقد أهل السلف أيضاً.