نام کتاب : تخجيل من حرف التوراة والإنجيل نویسنده : الجعفري، صالح جلد : 1 صفحه : 221
فإن قال النصارى: بذلك نستدل على ربوبيته إذ قلب الأعيان ليس من مقدور البشر، فالجواب أن المستبدل بالخلق والاختراع هو الله الذي لا إله غيره الفرد القديم الواحد العالم القادر الحكيم خالق العالم بما فيه من الأجسام والأعراض، وليس في تحويل الماء خمراً سوى تبديل عرض بعرض؛ إذ لا يخلو الجوهر عن عرض إلاّ ويخلفه ضدّه، فتارة يكون ذلك الضدّ مناسباً، وتارة يكون مخالفاً، وذلك كله ممكن والله تعالى متّصف بالقدرة على كلّ ممكن، وقد دللنا على عبودية المسيح في الباب الأوّل / ([1]/67/أ) وفي ذلك ما يردّ هذا السؤال، والمعجز في الحقيقة خالق العجز وهو الله عزوجل، وصدوره على يد عبد من عبيد الله يدعي أن الله أرسله يتَنَزَّل منْزِلَة قول الله تعالى: "صدق عبدي".
ونحن نناقش النصارى على ذلك فنقول:
أوّلاً: لا نسلم أن هذه المعجزة لعيسى بل هي لمريم أمه بدليل أنها التي اقترحتها وطلبتها. ألا تراها كيف تقدمت للخدام وقالت: افعلوا ما يأمركم به يسوع، وذلك من غير مؤامراته؟
وقد حكى بعض العلماء من أصحابنا في نبوة مريم قولين، فإن كانت نبية فهذه معجزة لها، وإلاّ فهي كرامة في حقّ ولايتها[1]، والكرامة صورتها صورة [1] اختلف العلماء في مسألة جواز نبوة النساء مطلقاً على أقوال هي:
أ- ذهب بعضهم إلى جواز نبوة النساء واتّفقوا على نبوة مريم واختلفوا في حواء وسارة وهاجر وأم موسى، ومن هؤلاء العلماء ابن حزم. (ر: الفصل في الملل والنحل 5/119-121) ، والقرطبي وتبعهم بعض العلماء.
ب- وذهب بعضهم إلى التوقف في المسألة؛ فقد نقل عن السبكي الكبير أنه قال: "لم يصح عندي في هذه المسألة شيء". (ر: فتح الباري 6/471، 474) .
ج- وذهب الجمهور إلى عدم جواز نبوة النساء، وأن النبوة خاصة بالرجال. قاله القاضي عياض، ونقل النووي وابن تيمية الإجماع على ذلك عن غير واحد مثل القاضيين: أبي بكر بن الطيب وأبي يعلى وابن أبي الفراء، والأستاذ أبي المعالي الجويني وغيرهم. (ر: فتح الباري 6/471، 473) . قصص الأنبياء ص 483، لابن كثير، الجواب الصحيح 1/331، لابن تيمية) .
واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ ... } . [سورة النحل، الآية: 43] . وبقوله تعالى: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ} . [سورة المائدة، الآية: 75] . فجعل غاية مريم الصديقة كما جعل غاية المسيح الرسالة.
وذكروا لذلك حِكَماً؛ منها: أن النبوة عبء ثقيل لا تتحمله طبيعة المرأة الضعيفة، ولأن الرسالة تقتضي الاشتهار بالدعوة، والأنوثة تقتضي التستر وتنافي الاشتهار لما بين الاشتهار والاستتار من التمانع. ولعلوّ مرتبة الذكور على الأنوثة فلذلك جعل الله القوامة للرجال على النساء، والنبوة تقتضي قوامة النبي على من يتابعه، ولأن المرأة يطرأ عيلها بحكم طبيعتها ما يعطلها عن كثير من الوظائف والاتصال بالملأ الأعلى كالحيض والحمل والولادة ونحوه، ولكون النفوس مائلة في ذواتهن بحسب الطبع فيغفلون عن مقالهن، وكل ذلك مانع من القيام بأعباء الرسالة وتكاليفها. كما ناقش الجمهور أدلة المخالفين بردود قوية. (ر: للتوسع: قصص الأنبياء، ص 482-486، للإمام ابن كثير، لوامع الأنوار البهية 2/265، 266، للسفاريني، الرسل والرسالات ص 84-89، د. عمر الأشقر) .
نام کتاب : تخجيل من حرف التوراة والإنجيل نویسنده : الجعفري، صالح جلد : 1 صفحه : 221