فهاهم أولاء اليوم كثير ولكنهم غثاء كغثاء السيل، وطمعت فيهم أحقر الأمم وسيطرت عليهم أراذل الناس، ولقد صدقت فيهم نبوة محمد صلى الله عليه وسلم حين قال: (يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها) فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: (بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن) فقال قائل: يا رسول الله: وما الوهن؟ قال: (حب الدنيا وكراهية الموت) [1] .
وإن جزءاً كبيراً من هذا الانحراف الذي سيطر اليوم على حياة المسلمين يتحمله الذين يتزيون بزي العلماء ويحسنون للناس أن يستبدلوا بشرع الله أهواء البشر، إن هؤلاء ليحملون أوزارهم كاملة ومن أوزار الذين يضلونهم إلى يوم القيامة والإسلام بريء من هؤلاء. ويرحم الله علماء السلف الذين كانوا حماة على ثغور الإسلام حتى لا يؤتى الإسلام من قبل أحدهم.
فهذا الإمام الجليل الحافظ ابن كثير رحمه الله يذكر في كتابه (تفسير القرآن العظيم) ما حل بالأمة الإسلامية أيام التتار، وذلك عند قوله تعالى:
{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ { [سورة المائدة: 50] .
قال: (ينكر الله تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر، وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيز خان، الذي وضع لهم الياسق، [1] سنن أبي داود كتاب الملاحم (ج 4/484، 4297) . وقال في مشكاة المصابيح رواه البيهقي في دلائل النبوة. ثم قال الشيخ الألباني وهو حديث صحيح. انظر مشكاة المصابيح (ج3/1475) .