من يقول: إنا سنشفع عند الله بكبرائنا وأتقيائنا، ومنهم من يقدم النذور والقرابين إلى آلهته زاعماً أنه نال بذلك رخصة في العمل بما يشاء. أما الملحد الذي لا يؤمن بالله فيعتقد أنه حر في هذه الدنيا غير مقيد بشرع الله وإنما إلهه هواه وشهوته وهو عبدهما.
(5) قائل هذه الكلمة لا يتسرب إليه اليأس ولا يقعد به القنوط، لأنه يؤمن أن الله له خزائن السموات والأرض. ومن ثم فهو على طمأنينة وسكينة وأمل، حتى ولو طرد وأهين وضاقت عليه سبل العيش.
إن عين الله لا تغفل عنه ولا تسلمه إلى نفسه، وهو يبذل جهده متوكلاً على الله، بخلاف الكفار الذين يعتمدون على قواهم المحدودة، وسرعان ما يدب لهم اليأس، ويساورهم القنوط عند الشدائد مما يفضي بهم أحياناً إلى الانتحار.
(6) الإيمان بهذه الكلمة يربي الإنسان على قوة عظيمة من العزم والإقدام والصبر والثبات والتوكل حينما يضطلع بمعالي الأمور ابتغاء مرضاه الله. إنه يشعر أن وراءه قوة مالك السماء والأرض. فيكون ثباته ورسوخه وصلابته التي يستمدها من هذا التصور، كالجبال الراسية، وأنى للكفر والشرك بمثل هذه القوة والثبات؟
(7) هذه الكلمة تشجع الإنسان وتملأ قلبه جرأة. لأن الذي يجبن الإنسان ويوهن عزمه شيئان: حبه للنفس والمال والأهل، أو اعتقاده أن هناك أحداً غير الله يميت الإنسان، فإيمان المرء بلا إله إلا الله ينزع عن قلبه كلا من هذين السببين، فيجعله موقناً أن الله هو المالك الوحيد لنفسه وماله فعندئذ يضحي في سبيل مرضاة ربه بكل غال ورخيص عنده. وينزع الثاني بأن يلقي في روعه أنه لا يقدر على سلب الحياة منه إنسان ولا حيوان ولا قنبلة ولا مدفع، ولا سيف ولا حجر وإنما يقدر على ذلك الله وحده.
من أجل ذلك لا يكون في الدنيا أشجع ولا أجرأ ممن يؤمن بالله تعالى، فلا يكاد يخيفه أو يثبت في وجهه زحف الجيوش، ولا السيوف المسلولة، ولا مطر