ومن أُصول عقيدة السلف الصَّالح، أَهل السنة والجماعة: التصديق بكرامات الأَولياء [1] وهي ما قد يُجريه الله تعالى على أَيدي بعض الصالحين من خوارق العادات إِكراما لهم؛ كما دلَّ على ذلك الكتاب والسنة، قال الله تبارك وتعالى:
{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ - الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ - لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [يونس: 62 - 64] [2] . [1] الكرامة: هي أَمر خارق للعادة وغير مقرون بدعوى النبوة ولا هو مقدمة لها؛ يُظهرُه الله على يد بعض عباده الصالحين- من الملتزمين بأحكام الشريعة- إِكراما لهم من الله عز وجل، فإذا لم يكن مقرونا بالإيمان الصحيح والعمل الصالح كان استدراجا. وقد وقع في الأُمم السالفة، كما في سورة الكهف وغيرها، وفي صدر هذه الأُمة من الصحابة والتابعين؛ كما حصل مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " يا سارية الجبل ". وغيرها كثيرة جدا، وفي كتب السنن الصحيحة والآثار المنقولة شيء كثير من الكرامات التي كرم الله تعالى به عباده الصالحين العاملين بكتابه وبسنة نبيه- صلى الله عليه وسلم -وما رواه آلاف من العلماء وغيرهم من الثقات وشاهدوه، وهي متواترة وموجودة في الأُمة وباقية فيها إلى ما شاء الله تعالى، ووقوع كرامات الأولياء في الحقيقة معجزة للأنبياء، لأن الكرامة لم تحصل لأحدهم إلا ببركة متابعته لنبيه وسيره على هدى دينه وشريعته، وهي من الأُمور الجائزة عقلا. وقد يكون ما يعطيه الله لعبده المؤمن من فتح آفاق العلم أمامه أفضل وأعظم من كل الخوارق المادية التي نسمع بها أو نقرأ عنها، ومن الكرامة التي نص عليها سلفنا؛ الاستقامةُ على الكتاب والسنة، وطاعتهما والرضا بحكمهما، والتوفيق في العلم والعمل. وإن عدم حصول الكرامة لبعض المسلمين؛ لا يدل على ضعف إِيمانهم، لأن الكرامة تقع لأسباب منها: تقوية إِيمان العبد، ولهذا لم يرَ كثير من الصحابة شيئا من الكرامات لقوة إيمانهم وكمال يقينهم، ومنها أيضا: إِقامة الحجة على العدو، والكرامة لا تقيد من ناحية العقل، وإنما تقيد بضوابط الشرع، وللكرامة شروط منها: أن لا تناقض حكما شرعيا، ولا قاعدة دينية، وأن تكون لحي، وأن تكون لحاجة؛ فإِن فقد أَحد هذه الشروط؛ فليست بكرامة بل هي إِما خيال، وإما وهم وإما إلقاء من الشيطان. والكرامة لا يَثبُت بها حكم من الأحكام الشرعية، ولا ينتفي بها حكم شرعي أيضا ذلك أن للأحكام الشرعية مصادرها المعروفة من كتاب الله وسنة رسوله والإجماع، وإذا أجرى الله الكرامة على يدي مسلم؛ فينبغي له أن يشكر الله على هذه المنحة والنعمة، ويسأل الله تعالى الثبات وعدم الفتنة إِن كانت ابتلاء واختبارا، وأن يكتم أمرها وأن لا يتخذها وسيلة للتفاخر والتباهي أمام الناس فإن ذلك يوردُ موارد الهلكة، وكم من أُناس خسروا الدنيا والآخرة حين استدرَجهُم الشيطان من هذا الطريق؛ فأصبحت تلك الأعمال وبالا عليهم. واعلم أن لأولياء الرحمن صفات ذكرها الله تعالى في كتابه الكريم في كثير من الآيات، وجمعت في سورة الفرقان: من الآية، 63- 74، وذكرها النبي- صلى الله عليه وسلم - في كثير من الأحاديث ومن هذه الصفات على سبيل المثال: الإيمان بالله وبملائكته ورسله وكتبه واليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشره، والتقوى: وهي الخوف من الله، والعمل بسنة نبيه- صلى الله عليه وسلم - والاستعداد ليوم اللقاء، والحب في الله والبغض في الله، وأن رؤيتهم تُذكرُ بالله، وهم يمشون على الأرض هونا، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما، ويبيتون لربهم سُجدا وقياما، ويقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم، وإذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يَقتُروا، ولا يدعون مع الله إِلها آخر، ولا يقتلون النفس التي حرم الله إِلا بالحق، ولا يزنون، ولا يشهدون الزور، وإذا مروا باللغو مروا كراما، وإذا ذُكروا بآيات ربهم لم يَخروا عليها صُما وعميانا، ودعاؤهم: ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إِماما. . وغيرها من الصفات الثابتة في الكتاب والسنة. [2] سورة يونس: الآيات، 62 - 64.