ومن أنواعه طلب الحوائج من الموتى والاستعانة بهم والتوجه إليهم، وهذا أصل شرك العالم، فإن الميت قد انقطع عمله وهو لايملك لنفسه نفعا ولا ضرا فضلا عمن استغاث به أو سأله أن يشفع له إلى الله. وهذا من جهله بالشافع والمشفوع عنده، فإن الله تعالى لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، والله لم يجهعل سؤال غيره سببا لإذنه، وإنما السبب لإذنه كمال التوحيد، فجاء هذا المشرك بسبب يمنع الإذن، والميت يحتاج لمن يدعو له، كما أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم إذا زرنا قبور المسلمين أن نترحم عليهم ونسأل لهم العافية والمغفرة، فعكس المشركون هذا وزاروهم زيارة العبادة، وجعلوا قبورهم أوثانا تعبد، فجمعوا بين الشرك بالمعبود وتغيير دينه ومعاداة أهل التوحيد ونسبتهم إلى التنقص بالأموات، وهم قد تنقصوا الخالق بالشرك، وأولياءه الموحدين بذمهم ومعاداتهم، وتنقصوا من أشركوا به غاية التنقص إذ ظنوا أنهم راضون منهم بهذا وأنهم أمروهم به، وهؤلاء أعداء الرسل في كل زمان ومكان، وما أكثر المستجيبين لهم! ولله در خليله إبراهيم عليه السلام حيث قال: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ، رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ} الآية، وما نجا من شرك هذا الشرك الأكبر إلا من جرد توحيده لله، وتقرب بمقتهم إلى الله". انتهى كلامه رحمه الله. فتأمل رحمك الله كلام هذا الإمام، وتصريحه بأن من دعا الموتى وتوجه إليهم واستغاث بهم ليشفعوا له عند الله فقد فعل الشرك الأكبر الذي بعث محمد صلى الله عليه وسلم بإنكاره وتكفيره من لم يتب منه وقتاله ومعاداته، وأن هذا قد وقع في زمانه وأنهم غيروا دين الرسول صلى الله عليه وسلم وعادوا أهل التوحيد الذين يأمرونهم بإخلاص العبادة لله وحده لا شريك له. وتأمل قوله أيضا: وما أعز من يتخلص من هذا، بل ما أعز من لا يعادي من أنكره. يتبين لك الأمر إن شاء الله تعالى، ولكن تأمل أرشدك الله تعالى قوله: وما نجا من شرك هذا الشرك الأكبر إلا من عادى المشركين لله إلى آخره، يتبين لك أن الإسلام لا يستقيم إلا بمعاداة أهل الشرك، فإن لم يعادهم فهو منهم وإن لم يفعله، والله أعلم.