ـ تعالى ـ: {والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلَّا ليقربونا إلى الله زلفى} ، وقال ـ تعالى ـ {فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانًا آلهة بل ضلّوا عنهم وذلك إفكهم وما كانوا يفترون} ؛ فهذه النّصوص المحكمة صريحة في [أنّ] المشركين لم يقصدوا إلَّا الجاه والشّفاعة والتّوسّل ـ بمعنى: جعلهم وسائط تقرّبهم إلى الله وتقضي حوائجهم منه (تعالى) ـ، وقد أنكر القرآن هذا أشدّ الإنكار؛ وأخبر أنّ أهله هم أصحاب النّار، وأنّ الله حرّم عليهم الجنّة دار أوليائه الأبرار، وجمهور هؤلاء المشركين لم يَدّعوا الاستقلال [لآلهتهم] ولا الشّركة في توحيد الرّبوبيّة؛ بل قد أقرّوا واعترفوا بأنّ ذلك [كلّه] لله وحده؛ كما حكى ـ سبحانه ـ إقرارهم واعترافهم بذلك في غير موضع من كتابه.
فحاصل ما ذكره العراقيّ من جواز الاستغاثة والدُّعاء والتّعظيم بالنّذر والحلف، مع نفي الاستقلال، وأنّ الله يفعله لأجله؛ هو عين دعوى المشركين وتعليلهم وشبهتهم؛ لم يزيدوا عليه حرفًا واحدًا، إلَّا أنّهم قالوا (قربانًا) و (شفعاء) ، والعراقيّ سمّى ذلك (توسّلًا) ؛ فالعلّة واحدة والحقيقة متّحدة. وما ذكره العراقيّ من الإسهاب مجرّد هوس وهذيان؛ لا يغير الحقائق، ولا يتوقّف كشف باطله على معرفة الغوامض والدّقائق!
الوجه الثّالث: أنّ الله ـ سبحانه وتعالى ـ أمر عباده بدعائه ومسألته والاستغاثة به وإنزال حاجتهم وفاقتهم وضرورتهم به؛ قال ـ تعالى ـ: {وإذا سألك عبادي عنّي فإنّي قريب أجيب دعوة الدّاع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلّهم يرشدون} ، وقال ـ تعالى ـ: {وقال ربّكم ادعوني أستجب لكم إنّ الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنّم داخر ين} ، وقال ـ تعالى ـ: {أمّن يجيب المضطرّ إذا دعاه} الآية، وقال ـ تعالى ـ: {وابتغوا إليه الوسيلة} ، {فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه} ، وقال ـ تعالى ـ: {يسأله مَن في السّموات والأرض كلّ