كلّ شيء قدير؟! فيتكلّم كيف شاء ومتى شاء، وقد أرانا الله ـ سبحانه وتعالى ـ في الدُّنيا مثالًا؛ وهو الفوتوغراف؛ يتكلّم ويقرأ من غير لسان، وهو صنعة لبعض المخلوقين؛ فلله المثل الأعلى.
فلمّا لم يعقلوا كلامًا من غير جارحة؛ قالوا بالكلام النّفسيّ، ومنعوا أنّ الله ـ سبحانه وتعالى ـ يكون قد أسمع موسى كلامه؛ بل خلق الكلام في الشّجرة! وأنّه لم يتكلّم بهذا القرآن العربيّ الذي نتلوه بألسنتنا ونكتبه بأيدينا في مصاحفنا؛ وقالوا: هذا القرآن مدلول كلام الله أو عبارة أو حكاية! وأنّه يُطلق عليه كلام الله مجازًا لا حقيقة! ومنعوا أنّ الله ـ تعالى ـ يُسمِع كلامه بعض خلقه؛ كما روى ذلك البخاريّ في «صحيحه» ؛ عند تفسير قوله ـ تعالى ـ في سورة سبأ: {حتى إذا فُزّع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربّكم} ، وكذلك سائر الصّفات منعوا إثباتها له ـ تعالى ـ؛ خوفًا من التّشبيه، وخفي عليهم ما قاله ابن عبّاس من أنّه: ليس شيء في الدّنيا يشبه ما في الجنة مما أعدّه الله لأوليائه المتّقين الصّالحين، إلَّا مجرّد الاشتراك في التّسمية. والحال: أنّ الله ـ سبحانه وتعالى ـ يقول ـ وهو أصدق القائلين ـ في وصف الجنّة: {فيهما فاكهة ونخل ورمّان} ، ومن المعلوم أنّ الدّنيا فيها نخل ورمّان، ولكن لما كان النّخل ليس كالنّخل الذي في الجنّة ولا الرّمّان كالرّمان؛ عُلم منه أنّه محض اشتراك في التّسمية فقط. والمقصود: أنّ هؤلاء لمّا حكّموا عقولهم في النّصوص الشّرعيّة وأوّلوها بأهوائهم؛ ضلّوا وأضلّوا، ولم ينفعهم قولهم: «إنّ خصومنا لا يمكن ردّهم إلَّا بأدِلّة العقل، وأمّا النّصوص السّمعيّة فلا تجدي معهم نفعًا» ؛ لأنّهم ـ في الحقيقة ـ لا للإسلام نصروا ولا لعدوهم كسروا؛ بل أوقعوا النّاس في الشّك والحيرة، ولو التزموا طريقة القرآن والسُّنّة؛ لكانوا هادين مهديّين، ناصرين للإسلام وأهله. فنسأله ـ تعالى ـ التّوفيق والعصمة.
وأمّا قول ابن حجر: «حتّى قام عليه بعض علماء زمانه؛ فكلّموا السّلطان في حبسه وقتله» .
فجوابه: هذا صحيح؛ وهذه سُنّة الله في حقّ كلّ مَن قام لله منتصرًا؛ لأجل أن يجعل له أسوة بالأنبياء والرّسل ـ صلوات الله تعالى وسلامه عليهم ـ؛ لأنّ