responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفصل في الملل والأهواء والنحل نویسنده : ابن حزم    جلد : 3  صفحه : 71
إِن من أسعده الله تَعَالَى من الْمَلَائِكَة فَلم يعرضهم لشئ من الْفِتَن أَعلَى حَالا من كل خلق غَيرهم ثمَّ بعدهمْ الَّذين عصم الله تَعَالَى من النَّبِيين عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام وأمنهم من الْمعاصِي ثمَّ من سبقت لَهُم من الله تَعَالَى الْحسنى من مؤمني الْجِنّ وَالْإِنْس الَّذين لَا يدْخلُونَ النَّار والحور الْعين اللَّاتِي خُلِقْنَ لأهل الْجنَّة على أَن لهَؤُلَاء الْمَذْكُورين حاشا الْحور الْعين حَالَة من الْخَوْف طول بقائهم فِي الدُّنْيَا يَوْم الْحَشْر فِي هول المطلع وشنعة ذَلِك الْموقف الَّذِي لَا يقي بِهِ شئ إِلَّا السَّلامَة مِنْهُ وَلَا يهنأ مَعَه عَيْش حَتَّى يخلص مِنْهُ وَقد تمنى كثير من الصَّالِحين الْعُقَلَاء الْفُضَلَاء أَن لَو كَانُوا نسياً منسياً فِي الدُّنْيَا وَلَا يعرضُوا لما عرضوا لَهُ على أَنهم قد آمنُوا بِالضَّمَانِ التَّام الَّذِي لَا ينجس وَلَقَد أَصَابُوا فِي ذَلِك إِذْ السَّلامَة لَا يعد لَهَا شئ الا عِنْد الْمُعْتَزلَة الْقَائِلين بِأَن الثَّوَاب وَالنَّعِيم بعد الضَّرْب بالسياط والضغط بأنواع الْعَذَاب والتعريض لكل بلية أطيب وألذ وَأفضل من النَّعيم السَّالِم من أَن يتقدمه بلَاء ثمَّ الْأَطْفَال الَّذين يدْخلُونَ الْجنَّة دون تَكْلِيف وَلَا عَذَاب وَمن بلغ وَلَا تَمْيِيز لَهُ ثمَّ منزلَة من دخل النَّار ثمَّ أخرج مِنْهَا بعد أَن دخل فِيهَا على مَا فيهامن الْبلَاء نَعُوذ بِاللَّه مِنْهُ وَأما من يخلد فِي النَّار فَكل ذِي حس سليم توقن نَفسه يَقِين ضَرُورَة أَن الْكَلْب والدود والقرد وَجَمِيع الحشرات أحسن حَالا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة مِنْهُ وَأَعْلَى مرتبَة وَأتم سَعْدا وَأفضل صفة وَأكْرم عناية من عِنْد البارى تَعَالَى وَيَكْفِي من هَذَا أَخْبَار الله تَعَالَى إِذْ يَقُول {وَيَقُول الْكَافِر يَا لَيْتَني كنت تُرَابا} فنص تَعَالَى على أَن حَال الجمادية أحسن مِنْهُ حَالَة فاعجبوا للمعتزلة الْقَائِلين أَن الله تَعَالَى أعْطى من يتَمَنَّى يَوْم الْقِيَامَة أَن يكون تُرَابا أفضل عَطِيَّة عِنْده وَلم يتْرك فِي قدرته أصلح مِمَّا عمل بِهِ وَأَن خلقه لَهُ كَانَ خيرا لَهُ من أَن لَا يخلقه وَنحن نَعُوذ بِاللَّه لأنفسنا من أَن يعْمل بِنَا مَا عمل بهم
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَمن عجائبهم قَوْلهم أَن الله تَعَالَى لم يخلق شَيْئا لَا يعْتَبر بِهِ أحد من الْمُكَلّفين
قَالَ أَبُو مُحَمَّد فَنَقُول لَهُم مَا دليلكم على هَذَا وَقد علمنَا بضرورة الْحس أَن لله تَعَالَى فِي قعور الْبحار وأعماق الأَرْض أَشْيَاء كَثِيرَة لم يرهَا إِنْسَان قطّ فَلم يبْق إِلَّا أَن يَدْعُو عوض الْمَلَائِكَة وَالْجِنّ فِي عمق الْجبَال وقعور البحور فَهَذِهِ دَعْوَى مفتقرة إِلَى دَلِيل وَإِلَّا فَهِيَ بَاطِلَة قَالَ عز وَجل {قل هاتوا برهانكم إِن كُنْتُم صَادِقين} وَأَيْضًا فمما تبطل بِهِ دَعْوَى هَؤُلَاءِ الْقَائِلين بِغَيْر علم على الله أَن الله تَعَالَى إِذا خلق زيدا لَهُ من الطول كَذَا وَكَذَا فَإِنَّهُ لَو خلقه على أقل من ذَلِك الطول بإصبع لَكَانَ الِاعْتِبَار بخلقه سَوَاء كَمَا هُوَ الْآن وَلَا مزِيد وَهَكَذَا كل مِقْدَار من الْمَقَادِير فَإِن ادعوا أَن الزِّيَادَة فِي الْعدَد زِيَادَة فِي الْعبْرَة لَزِمَهُم أَن يلزموا رَبهم تَعَالَى أَن يزِيد فِي مِقْدَار طول كل مَا خلق لِأَنَّهُ كَانَ زِيَادَة فِي الِاعْتِبَار وَإِلَّا فقد قصر وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ سهم لَا يُحْصِيه إِلَّا الَّذِي خلقهمْ نَعُوذ بِاللَّه مِمَّا ابْتَلَاهُم بِهِ
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وهم مقرون أَن الْعُقُول معطاة من عِنْد الله عز وَجل فنسألهم أفاضل بَين عباده فِيمَا أَعْطَاهُم من الْعُقُول أم لَا فَإِن قَالُوا الأكابر والحس ولزمهم مَعَ ذَلِك أَن عقل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتميزه وعقل عِيسَى وَإِبْرَاهِيم ومُوسَى وَأَيوب وَسَائِر الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام وتميزهم وعقل مَرْيَم بنت عمرَان وتمييزها بل تَمْيِيز جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وَسَائِر الْمَلَائِكَة ثمَّ تَمْيِيز أبي بكر الصّديق وَعمر بن الْخطاب وَعلي بن أبي طَالب وعقولهم وتمييز أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ وَبَنَات النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

نام کتاب : الفصل في الملل والأهواء والنحل نویسنده : ابن حزم    جلد : 3  صفحه : 71
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست