responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفصل في الملل والأهواء والنحل نویسنده : ابن حزم    جلد : 3  صفحه : 65
بَيْننَا مثل أَن يسْقِي الْإِنْسَان من يحب مَاء الْأَدْوِيَة الكريهة ويحجمه ويكويه ليوصله بذلك إِلَى مَنَافِع لَوْلَا هَذَا الْمَكْرُوه لم يكن ليصل إِلَيْهَا
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا تمويه لم ينفكوا بِهِ مِمَّا سَأَلَهُمْ عَنهُ أَصْحَابنَا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَنحن لم نسألهم عَمَّن لَا يقدر على نَفعه إِلَّا بعد الْأَذَى الَّذِي هُوَ أقل من النَّفْع الَّذِي يصل إِلَيْهِ بعد ذَلِك الْأَذَى إِنَّمَا سألناهم عَمَّن يقدر على نَفعه دون أَن يبتديه بالأذى ثمَّ لَا يَنْفَعهُ إِلَّا حَتَّى يُؤْذِيه
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَكَذَلِكَ تَكْلِيف من يدْرِي الْمَرْء أَنه لَا يطيقه وَأَنه إِذا لم يطقه عذبه قَبِيح فِيمَا بَيْننَا فَقَالَ قَائِل مِنْهُم إِن هَذَا قد يحسن فِيمَا بَيْننَا وَذَلِكَ أَن يكون الْمَرْء يُرِيد أَن يُقرر عِنْد صديقه مَعْصِيّة عَبده لَهُ فيأمره وَهُوَ يدْرِي أَنه لَا يطيعه فَإِن نَهْيه لَهُ حسن
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا كَالْأولِ وَلَا فرق وَلم نسألهم عَمَّن لم يقدر على تَعْرِيف صديقه مَعْصِيّة غُلَامه لَهُ إِلَّا بتكليفه أَمَامه مَا لَا يطيعه فِيهِ وَلَا عَمَّن لَا يقدر على منع العَاصِي لَهُ بِأَكْثَرَ من النَّهْي وَإِنَّمَا نسألهم عَمَّن لَا مَنْفَعَة لَهُ فِي أَن يعلم زيدا مَعْصِيّة غُلَامه لَهُ وَعَمن يقدر على أَن يعرف زيدا بذلك ويقرره عِنْده بِغَيْر أَن يَأْمر من لَا يطيعه وَعَمن يقدر على مَنعه من الْمعْصِيَة فَلَا يفعل ذَلِك أَلا أَن يعْجزُوا رَبهم كَمَا ذكرنَا فَهَذَا مَعَ أَنه كفر فَهُوَ أَيْضا كذب ظَاهر لِأَنَّهُ تَعَالَى قد أخبر عَن أهل النَّار أَنهم لَو ردوا لعادوا لما نهوا عَنهُ فتقرر هَذَا عندنَا تقرراً لَو رَأينَا ذَلِك عيَانًا مَا زادنا علما بِصِحَّتِهِ وَكَذَلِكَ قد شاهدنا قوما آخَرين أَرَادوا ضروباً من الْمعاصِي فحال الله تَعَالَى بَينهم وَبَينهَا بضروب من ألحوايل وَأطلق آخَرين وَلم يحل بَينهم وَبَينهَا بل قوي الدَّوَاعِي لَهَا وَرفع الْمَوَانِع عَنْهَا جملَة حَتَّى ارتكبوها فلاح كذب الْمُعْتَزلَة وعظيم إقدامهم على الافتراء على الله تَعَالَى وَشدَّة مكابرتهم العيان ومخالفتهم للمعقول وَقُوَّة جهلهم وتناقضهم نَعُوذ بِاللَّه من الخذلان ثمَّ بعد هَذَا كُله فَأَي مَنْفَعَة لنا فِي تعريفنا أَن فِرْعَوْن يَعْصِي وَلَا يُؤمن وَمَا الَّذِي ضرّ الْأَطْفَال إِذا مَاتُوا قبل أَن يعرفوا من أطَاع وَمن عصى ونسألهم أَيْضا عَمَّن أعْطى آخر سيوفاً وخناجر وعتلاً للنقب وكل ذَلِك يصلح للْجِهَاد ولقطع الطَّرِيق والتلصص وَهُوَ يدْرِي أَنه لَا يسْتَعْمل شَيْئا من ذَلِك فِي الْجِهَاد إِلَّا فِي قطع الطَّرِيق والتلصص وَعَمن مكن آخر من خمر وَامْرَأَة عاهرة وبغاء وأخلى لَهُ منزلا مَعَ كل ذَلِك أَلَيْسَ عابثاً ظَالِما بِلَا خلاف فَلَا بُد من نعم وَنحن وهم نعلم أَن الله عز وَجل وهب لجَمِيع النَّاس القوى الَّتِي بهَا عصوا وَهُوَ يدْرِي أَنهم يعصونه بهَا وَخلق الْخمر وبثها بَين أَيْديهم وَلم يحل بَينهم وَبَينهَا وَلَيْسَ ظَالِما وَلَا عابثاً فَإِن عجزوه تَعَالَى إِلَى عَن الْمَنْع من ذَلِك بلغو العاية من الْكفْر فَإِن عجز نَفسه منا عَن منع الْخمر من شاربها وَهُوَ يقدر على ذَلِك لفي غَايَة الضعْف والمهانة أَو مُرِيد لكَون ذَلِك كَمَا شَاءَ لَا معقب لحكمه وَهَذَا قَوْلنَا لَا قَوْلهم
قَالَ أَبُو مُحَمَّد فانقطعوا عِنْد هَذِه وَلم يكن لَهُم جَوَاب إِلَّا أَن بَعضهم قَالَ إِنَّمَا قبح ذَلِك منا لجهلنا بالمصالح ولعجزنا عَن التعويض وَلِأَن ذَلِك مَحْظُور وَهَذَا مَحْظُور علينا وَلَو أَن امْرأ لَهُ منا عبيد وَقد صَحَّ عِنْده بأخبار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنهم لَا يُؤمنُونَ أبدا فَإِن كسوتهم وإطعامهم مُبَاح لَهُ
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا عَلَيْهِم لَا لَهُم وَإِقْرَار مِنْهُم بِأَنَّهُ إِنَّمَا قبح ذَلِك منا لِأَنَّهُ محرم علينا وَكَذَلِكَ كسْوَة العبيد الَّذين يُوقن أَنهم لَا يُؤمنُونَ وَإِنَّمَا حسن ذَلِك لأننا مأمورون بِالْإِحْسَانِ إِلَى العبيد وَإِن كَانُوا كفَّارًا وَلَو فعلنَا ذَلِك بِأَهْل دَار الْحَرْب لَكنا عصاة لأننا نهينَا عَن ذَلِك لَيْسَ هَا هُنَا شَيْء يقبح وَلَا يحسن إِلَّا مَا أَمر الله تَعَالَى فَقَط وَأما قَوْلهم أَن ذَلِك قبح منا لجهلنا بالمصالح

نام کتاب : الفصل في الملل والأهواء والنحل نویسنده : ابن حزم    جلد : 3  صفحه : 65
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست