responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفصل في الملل والأهواء والنحل نویسنده : ابن حزم    جلد : 3  صفحه : 63
أحد إِلَّا من ألزمهُ الله تَعَالَى شكره وَلَا حق لأحد على أحد إِلَّا من جعل الله تَعَالَى لَهُ حَقًا فَيجب كل ذَلِك إِذْ أوجبه الله تَعَالَى وَإِلَّا فَلَا وَقد أَجمعُوا مَعنا على أَن من أَفَاضَ إِحْسَان الدُّنْيَا على إِنْسَان أفاضه بِوَجْه حرمه الله تَعَالَى فَإِنَّهُ لَا يلْزمه شكره وَإِن من أحسن إِلَى آخر غَايَة الْإِحْسَان فشكره بِأَن اعانه فِي دُنْيَاهُ بِمَا لَا يجوز فِي الدّين فَإِنَّهُ مسيء إِلَيْهِ ظَالِم فصح يَقِينا أَنه لَا يجب شَيْء وَلَا يحسن شَيْء وَلَا يقبح شَيْء إِلَّا مَا أوجبه الله تَعَالَى فِي الدّين أَو حسنه الله فِي الدّين أَو قبحه الله فِي الدّين فَقَط وَبِاللَّهِ تَعَالَى نتأيد وَقَالَ بَعضهم الْكَذِب قَبِيح على كل حَال
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا كَالْأولِ وَقد أَجمعُوا مَعنا على بطلَان هَذَا القَوْل وعَلى تَحْسِين الْكَذِب فِي مَوَاضِع خَمْسَة إِذْ حسنه الله تَعَالَى وَذَلِكَ نَحْو إِنْسَان مُسلم مستتر من أَمَام ظَالِم يَظْلمه ويطلبه فَسَأَلَ ذَلِك الظَّالِم هَذَا الَّذِي استتر عِنْده الْمَطْلُوب وَسَأَلَ أَيْضا كل من عِنْده خَبره وَعَن مَاله فَلَا خلاف بَين أحد من الْمُسلمين فِي أَنه أَن صدقه ودله على مَوْضِعه وعَلى مَا لَهُ فَإِنَّهُ عَاص لله عز وَجل فَاسق ظَالِم فَاعل فعلا قبيحاً وَإنَّهُ لَو كذبه وَقَالَ لَهُ لَا أَدْرِي مَكَانَهُ وَلَا مَكَان مَاله فَإِنَّهُ مأجور محسن فَاعله فعلا حسنا وَكَذَلِكَ كذب الرجل لامْرَأَته فِيمَا يستجر بِهِ مودتها وَحسن صحبتهَا وَالْكذب فِي حَرْب الْمُشْركين فِيمَا يُوجد بِهِ السَّبِيل إِلَى إهلاكهم وتخليص الْمُسلمين مِنْهُم فصح أَنه إِنَّمَا قبح الْكَذِب حَيْثُ قبحه الله عز وَجل وَلَوْلَا ذَلِك مَا كَانَ قبيحاً بِالْعقلِ أصلا إِذْ مَا وَجب بضرورة الْعقل فمحال أَن يَسْتَحِيل فِي هَذَا الْعَالم الْبَتَّةَ عَمَّا رتبه الله عز وَجل فِي وجود الْعقل إِيَّاه كَذَلِك فصح كذبهمْ على الْعُقُول وَقَالَ بَعضهم الظُّلم قَبِيح
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا كَالْأولِ ونسألهم مَا معنى الظُّلم فَلَا يَجدونَ إِلَّا أَن يَقُولُوا أَنه قتل النَّاس وَأخذ أَمْوَالهم وآذاهم وَقتل الْمَرْء نَفسه أَو التشويه بهَا أَو إِبَاحَة حرمه للنَّاس ينكحونهن وكل هَذَا فَلَيْسَ شَيْء مِنْهُ قبيحاً لعَينه وَقد أَبَاحَ الله عز وَجل أَخذ أَمْوَال قوم بخراسان من أجل ابْن عمهم قتل بالأندلس رجلا خطأ لم يرد قَتله لَكِن رمى صيدا مُبَاحا لَهُ أَو رمى كَافِرًا فِي الْحَرْب فصادف الْمُسلم السهْم وَهُوَ خَارج من خلف جبل فَمَاتَ ووجدناه تَعَالَى قد أَبَاحَ دم من زنى وَهُوَ مُحصن وَلم يطَأ امْرَأَة قطّ إِلَّا زَوْجَة لَهُ عجوزاً شعرهَا سَوْدَاء وَطئهَا مرّة ثمَّ مَاتَت وَلَا يجد من أَن ينْكح وَلَا من أَن يتسرى وَهُوَ شَاب مُحْتَاج إِلَى النِّسَاء وَحرم دم شيخ زنى وَله ماية جَارِيَة كَالنُّجُومِ حسنا إِلَّا أَنه لم يكن لَهُ قطّ زَوْجَة وَأما قتل الْمَرْء نَفسه فقد حسن الله تَعَالَى تَعْرِيض الْمَرْء نَفسه للْقَتْل فِي سَبِيل الله عز وَجل وصدمة الجموع الَّتِي يُوقن أَنه مقتول فِي فعله ذَلِك وَقد أَمر عز وَجل من قبلنَا بقتل نَفسه قَالَ تَعَالَى {فتوبوا إِلَى بارئكم فَاقْتُلُوا أَنفسكُم ذَلِكُم خير لكم عِنْد بارئكم فَتَابَ عَلَيْكُم} وَلَو أمرنَا عز وَجل بِمثل ذَلِك لَكَانَ حسنا كَمَا كَانَ حسنا أمره عز وَجل بذلك بني إِسْرَائِيل وَأما التشويه بِالنَّفسِ فَإِن الْخِتَان وَالْإِحْرَام وَالرُّكُوع وَالسُّجُود لَوْلَا أَمر الله تَعَالَى بذلك وتحسينه إِيَّاه لَكَانَ لَا معنى لَهُ ولكان على أصولهم تشويهاً وَدَلِيل ذَلِك أَن أَمر أَمن النَّاس لَو قَامَ ثمَّ وضع رَأسه فِي الأَرْض فِي غير صَلَاة بِحَضْرَة النَّاس لَكَانَ عابثاً بِلَا شكّ مَقْطُوعًا عَلَيْهِ بالهوس وَكَذَلِكَ لَو تجرد الْمَرْء من ثِيَابه أَمَام الجموع فِي غير حج وَلَا عمْرَة وكشف رَأسه وَرمى بالحصى وَطَاف بِبَيْت مهر وَلَا مستديراً بِهِ لَكَانَ مَجْنُونا بِلَا شكّ لَا سِيمَا أَن امْتنع من قبل قملة وَمن فلى رَأسه وَمن قصّ أَظْفَاره وشاربه لَكِن لما أَمر الله عز وَجل بِمَا أَمر بِهِ من ذَلِك كَانَ فرضا وَاجِبا

نام کتاب : الفصل في الملل والأهواء والنحل نویسنده : ابن حزم    جلد : 3  صفحه : 63
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست