responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفصل في الملل والأهواء والنحل نویسنده : ابن حزم    جلد : 3  صفحه : 58
ذَلِك ثمَّ أقررتم بِلَا خلاف مِنْكُم انه خلق النُّفُوس وأحدثها بعد ان لم تكن وَخلق لَهَا الْعُقُول وركبها فِي النُّفُوس بعد إِن لم تكن الْعُقُول الْبَتَّةَ أَن لَا تحدثُوا على الْبَارِي تَعَالَى حكما لَازِما لَهُ من قبل بعض خلقه فَلَيْسَ فِي الْجُنُون أفحش من هَذَا الْبَتَّةَ ثمَّ أخبرونا إِذا كَانَ الله وَحده لَا شَيْء مَوْجُود مَعَه فَفِي أَي شَيْء كَانَت صُورَة الْحسن حَسَنَة وَصُورَة الْقَبِيح قبيحة وَلَيْسَ هُنَالك عقل أصلا يكون فِيهِ الْحسن حسنا والقبيح قبيحاً وَلَا كَانَت هُنَالك نفس عَاقِلَة أَو غير عَاقِلَة فيقبح عِنْدهَا الْقَبِيح وَيحسن الْحسن فَأَي شَيْء قَالَ تَحْسِين الْحسن وتقبيح الْقَبِيح وهما عرضان لَا بُد لَهما من حَامِل وَلَا حَامِل أصلا وَلَا مَحْمُول وَلَا شَيْء حسن وَلَا شَيْء قَبِيح حَتَّى أحدث الله تَعَالَى النُّفُوس وَركب فِيهَا الْعُقُول المخلوقة وقبح فِيهَا على قَوْلكُم مَا قبح وَحسن فِيهَا على قَوْلكُم مَا حسن فَإذْ لَا سَبِيل إِلَى أَن يكون مَعَ الْبَارِي تَعَالَى فِي الْأَزَل شَيْء مَوْجُود أصلا قَبِيح وَلَا حسن وَلَا عقل يقبح فِيهِ شَيْء أَو يحسن فقد وَجب يَقِينا أَن لَا يمْتَنع من قدرَة الله تَعَالَى وَفعله شَيْء يحدثه لقبح فِيهِ وَوَجَب أَن لَا يلْزمه تَعَالَى شَيْء لحسنه إِذْ لَا قبح وَلَا حسن الْبَتَّةَ فِيمَا لم يزل فبالضرورة وَجب أَن مَا هُوَ الْآن عندنَا قَبِيح فَإِنَّهُ لم يقبح بِلَا أول بل كَانَ لقبحه أول لم يكن مَوْجُودا قبله فَكيف أَن يكون قبيحاً قبله وَكَذَلِكَ القَوْل فِي الْحسن وَلَا فرق وَمن الْمحَال الْمُمْتَنع جملَة أَن يكون مُمكنا أَن يفعل الْبَارِي تَعَالَى حِينَئِذٍ شَيْئا ثمَّ يمْتَنع مِنْهُ فعله بعد ذَلِك لِأَن هَذَا يُوجب إِمَّا تبدل طبيعة وَالله تَعَالَى منزه عَن ذَلِك وَأما حُدُوث حكم عَلَيْهِ فَيكون تَعَالَى متعبداً وَهَذَا هُوَ الْكفْر السخيف نَعُوذ بِاللَّه مِنْهُ فَإِن قَالُوا لم يزل الْقَبِيح قبيحاً فِي علم الله عز وَجل وَلم يزل الْحسن حسنا فِي علمه تَعَالَى قُلْنَا لَهُم هبكم أَن هَذَا كَمَا قُلْتُمْ فَعَلَيْكُم فِي هَذَا حكمان مبطلان لقولكم الْفَاسِد أَحدهمَا أَنكُمْ جعلتم الحكم فِي ذَلِك لما فِي الْمَعْقُول لَا لما سبق فِي علم الله عز وَجل فَلم تجْعَلُوا الْمَنْع من فعل مَا هوقبيح عنْدكُمْ أَلا لِأَن الْعُقُول قبحته فأحطتم فِي هَذَا وَالثَّانِي أَنه تَعَالَى أَيْضا لم يزل يعلم أَن الَّذِي يَمُوت مُؤمنا فَإِنَّهُ لَا يكفر وَلم يزل تَعَالَى يعلم أَن الَّذِي يَمُوت كَافِرًا لَا يُؤمن فَلم جوزتم قدرته على إِحَالَة مَا علم من ذَلِك وتبديله وَلم تجوزوا قدرته تَعَالَى على إِحَالَة مَا علم حسنا إِلَى الْقبْح وإحالة مَا علم قبيحاً إِلَى الْحسن وَلَا فرق بَين الْأَمريْنِ أصلا فَإِذا ثَبت ضَرُورَة أَنه لَا قَبِيح لعَينه وَلَا حسن لعَينه الْبَتَّةَ وانه لَا قَبِيح إِلَّا مَا حكم الله تَعَالَى بِأَنَّهُ قَبِيح وَلَا حسن إِلَّا مَا حكم بِأَنَّهُ حسن وَلَا مزِيد وَأَيْضًا فَإِن دعواكم أَن الْقَبِيح لم يزل قبيحاً فِي علم الله تَعَالَى مَا دليلكم على هَذَا بل لَعَلَّه تَعَالَى لم يزل عليماً بِأَن أَمر كَذَا يكون حسنا بُرْهَة من الدَّهْر ثمَّ يقبحه قيصير قبيحاً إِذا قبحه لَا قبل ذَلِك كَمَا فعل تَعَالَى بِجَمِيعِ الْملَل المنسوخة وَهَذَا أصح من قَوْلكُم لظُهُور براهين هَذَا القَوْل وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَلم يزل سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عليماً أَن عقد الْكفْر وَالْقَوْل بِهِ قَبِيح من العَبْد إِذا فعلهمَا مُعْتَقدًا لَهما لِأَن الله قبحهما لَا لِأَنَّهُمَا حَرَكَة أَو عرض فِي النَّفس وَهَذَا هُوَ الْحق لظُهُور براهين هَذَا أَيْضا لَا لِأَن ذَلِك قَبِيح لعَينه وَيُقَال لَهُم أَيْضا أخبرونا من حسن الْحسن فِي الْعُقُول وَمن قبح الْقبْح فِي الْعُقُول فَإِن قَالُوا الله عز وَجل قُلْنَا لَهُم أَفَكَانَ الله تَعَالَى قَادر على عكس تِلْكَ الرُّتْبَة إِذْ رتبها على أَن يرتبها بِخِلَاف مَا رتبها عَلَيْهِ فَيحسن فِيهَا الْقَبِيح ويقبح فِيهَا الْحسن فَإِن قَالُوا نعم أوجبوا أَنه لم يقبح شَيْء إِلَّا بعد ان حكم الله تَعَالَى بقبحه وَلم يحسن شَيْء إِلَّا بعد ان حكم الله تَعَالَى بحسنه وَأَنه كَانَ لَهُ تَعَالَى أَن يفعل بِخِلَاف مَا فعل وَله

نام کتاب : الفصل في الملل والأهواء والنحل نویسنده : ابن حزم    جلد : 3  صفحه : 58
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست