responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفصل في الملل والأهواء والنحل نویسنده : ابن حزم    جلد : 3  صفحه : 49
تَحْقِيق الْأَمر فَإِن أمره عز وَجل لمن علم أَنه لَا يفعل مَا أَمر بِهِ أَمر تعجيز كَقَوْلِه {قل كونُوا حِجَارَة أَو حديداً} وَكَقَوْلِه {من كَانَ يظنّ أَن لن ينصره الله فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فليمدد بِسَبَب إِلَى السَّمَاء ثمَّ ليقطع فَلْينْظر هَل يذْهبن كَيده مَا يغِيظ}
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَقد تحيرت الْمُعْتَزلَة هَا هُنَا حَتَّى قَالَ بَعضهم لَو لم يقتل زيد لعاش وَقَالَ أَبُو الْهُذيْل لَو لم يقتل لمات وشغب الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ لَو لم يقتل لعاش بقول الله عز وَجل {وَمَا يعمر من معمر وَلَا ينقص من عمره إِلَّا فِي كتاب} وَبقول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من سره أَن ينسأ فِي أَجله فَليصل رَحمَه
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وكل هَذَا لَا حجَّة لَهُم فِيهِ بل هُوَ بِظَاهِرِهِ حجَّة عَلَيْهِم لِأَن النَّقْص فِي اللُّغَة الَّتِي بهَا نزل الْقُرْآن إِنَّمَا هُوَ من بَاب الْإِضَافَة وبالضرورة علمنَا أَن من عمر مائَة عَام وَعمر آخر ثَمَانِينَ سنة فَإِن الَّذِي عمر ثَمَانِينَ نقص من عدد عمر الآخر عشْرين عَاما فَهَذَا هُوَ ظَاهر الْآيَة ومقتضاها على الْحَقِيقَة لَا مَا يَظُنّهُ من لَا عقل لَهُ من أَن الله تَعَالَى جَار تَحت أَحْكَام عباده إِن ضربوا زيدا أَمَاتَهُ وَإِن لم يضربوه لم يمته وَمن أَن علمه غير مُحَقّق فَرُبمَا أعاش زيدا ماية سنة وَرُبمَا أعاشه أقل وَهَذَا هُوَ البداء بِعَيْنِه ومعاذ الله تَعَالَى من هَذَا القَوْل بل الْخلق كُله مصرف تَحت أَمر الله عز وَجل وَعلمه فَلَا يقدر أحد على تعدِي مَا علم الله تَعَالَى أَنه يكون وَلَا يكون الْبَتَّةَ إِلَّا مَا سبق فِي علمه أَن يكون وَالْقَتْل نوع من أَنْوَاع الْمَوْت فَمن سَأَلَ عَن الْمَقْتُول لَو لم يقتل لَكَانَ يَمُوت أَو يعِيش فسؤاله سخيف لِأَنَّهُ إِنَّمَا يسْأَل لَو لم يمت هَذَا الْمَيِّت أَكَانَ يَمُوت أَو كَانَ لايموت وَهَذِه حَمَاقَة جدا لِأَن الْقَتْل عِلّة لمَوْت الْمَقْتُول كَمَا أَن الْحمى القاتلة والبطن الْقَاتِل وَسَائِر الْأَمْرَاض القاتلة علل للْمَوْت الْحَادِث عَنْهَا وَلَا فرق وَأما قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من سره أَن ينسأ فِي أَجله فَليصل رَحمَه فَصَحِيح مُوَافق لِلْقُرْآنِ وَلما توجبه الْمُشَاهدَة وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَن الله عز وَجل لم يزل يعلم أَن زيدا سيصل رَحمَه وَأَن ذَلِك سَبَب إِلَى أَن يبلغ من الْعُمر كَذَا وَكَذَا وَكَذَا كل حَيّ فِي الدُّنْيَا لِأَن من علم الله تَعَالَى أَن سيعمره كَذَا وَكَذَا من الدَّهْر فَإِنَّهُ تَعَالَى قد علم وَقدر أَنه سيتغذى بِالطَّعَامِ وَالشرَاب ويتنفس بالهواء وَيسلم من الْآفَات القاتلة تِلْكَ الْمدَّة الَّتِي لَا بُد من استيفائها والمسبب وَالسَّبَب كل ذَلِك قد سبق فِي علم الله عز وَجل كَمَا هُوَ لَا يُبدل قَالَ تَعَالَى {مَا يُبدل القَوْل لدي} وَلَو كَانَ على غير هَذَا لوَجَبَ البداء ضَرُورَة ولكان غير عليم بِمَا يكون متشككاً فِيهِ لَا يكون أم لَا يكون جَاهِلا بِهِ جملَة وَهَذِه صفة المخلوقين لَا صفة الْخَالِق وَهَذَا كفر مِمَّن قَالَ بِهِ وهم لَا يَقُولُونَ بِهَذَا
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَنَصّ الْقُرْآن يشْهد بِصِحَّة مَا قُلْنَا قَالَ الله تَعَالَى عز وَجل {لَو كُنْتُم فِي بُيُوتكُمْ لبرز الَّذين كتب عَلَيْهِم الْقَتْل إِلَى مضاجعهم} وَقَالَ تَعَالَى {قل لن ينفعكم الْفِرَار أَن فررتم من الْمَوْت أَو الْقَتْل} وَقَالَ تَعَالَى {أَيْنَمَا تَكُونُوا يدرككم الْمَوْت وَلَو كُنْتُم فِي بروج مشيدة} وَقَالَ تَعَالَى مُنكر القَوْل قوم جرت الْمُعْتَزلَة فِي ميدانهم {الَّذين قَالُوا لإخوانهم وقعدوا لَو أطاعونا مَا قتلوا قل فادرؤوا عَن أَنفسكُم الْمَوْت إِن كُنْتُم صَادِقين} وَقَالَ تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِين كفرُوا وَقَالُوا لإخوانهم إِذا ضربوا فِي الأَرْض أَو كَانُوا غزى لَو كَانُوا عندنَا مَا مَاتُوا وَمَا قتلوا ليجعل الله ذَلِك حسرة فِي قُلُوبهم وَالله يحيي وَيُمِيت} وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا كَانَ لنَفس أَن تَمُوت إِلَّا بِإِذن الله كتابا مُؤَجّلا}

نام کتاب : الفصل في الملل والأهواء والنحل نویسنده : ابن حزم    جلد : 3  صفحه : 49
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست