نام کتاب : الفصل في الملل والأهواء والنحل نویسنده : ابن حزم جلد : 3 صفحه : 140
يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله ويؤمنوا بِمَا أرْسلت بِهِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي لَا إِيمَان لأحد بِدُونِهِ
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَاحْتج بعض من يكفر من سبّ الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم بقول الله عز وَجل {مُحَمَّد رَسُول الله وَالَّذين مَعَه أشداء على الْكفَّار رحماء بَينهم} إِلَى قَوْله {ليغيظ بهم الْكفَّار} قَالَ فَكل من أغاظه أحد من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ كَافِر
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَقد أَخطَأ من حمل الْآيَة على هَذَا لِأَن الله عز وَجل لم يقل قطّ أَن كل من غاظه وَاحِد مِنْهُم فَهُوَ كَافِر وَإِنَّمَا أخبر تَعَالَى أَنه يغِيظ بهم الْكفَّار فَقَط وَنعم هَذَا حق لَا يُنكره مُسلم وكل مُسلم فَهُوَ يغِيظ الْكفَّار وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يشك أحد ذُو حس سليم فِي أَن عليا قد غاظ مُعَاوِيَة وَأَن مُعَاوِيَة وَعَمْرو بن الْعَاصِ غاظا عليا وَأَن عمار أغاظ أَبَا العادية وَكلهمْ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقد غاظ بَعضهم بَعْضًا فَيلْزم على هَذَا تَكْفِير من ذكرنَا وحاشى لله من هَذَا
قَالَ أَبُو مُحَمَّد ونقول لمن كفر إنْسَانا بِنَفس مقَالَته دون أَن تقوم عَلَيْهِ الْحجَّة فيعاند رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويجد فِي نَفسه الْحَرج مِمَّا أَتَى بِهِ أخبرنَا هَل ترك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا من الْإِسْلَام الَّذِي يكفر من لم يقل بِهِ إِلَّا وَقد بَينه ودعا إِلَيْهِ النَّاس كَافَّة فَلَا بُد من نعم وَمن أنكر هَذَا كَافِر بِلَا خلاف فَإِذا أقرّ بذلك سُئِلَ هَل جَاءَ قطّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه لم يقبل إِيمَان أهل قَرْيَة أوأهل محلّة أَو إِنْسَان أَتَاهُ من حر أَو عبدا لَو امْرَأَة إِلَّا حَتَّى يقر إِن الِاسْتِطَاعَة قبل الْفِعْل أَو مَعَ الْفِعْل أَو أَن الْقُرْآن مَخْلُوق أَو أَن الله تَعَالَى يرى أَو لَا يرى أَو أَن لَهُ سمعا أَو بصرا أَو حَيَاة أَو غير ذَلِك من فضول الْمُتَكَلِّمين الَّتِي أوقعهَا الشَّيْطَان بَينهم ليوقع بَينهم الْعَدَاوَة والبغضاء فَإِن ادّعى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يدع أحدا يسلم إِلَّا حَتَّى يوقفه على هَذِه الْمعَانِي كَانَ قد كذب بِإِجْمَاع الْمُسلمين من أهل الأَرْض وَقَالَ مَا يدْرِي أَنه فِيهِ كَاذِب وَادّعى أَن جَمِيع الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم تواطؤا على كتمان ذَلِك من فعله عَلَيْهِ السَّلَام وَهَذَا الْمحَال مُمْتَنع فِي الطبيعة ثمَّ فِيهِ نِسْبَة الْكفْر إِلَيْهِم إِذْ كتموا مَا لَا يتم إِسْلَام أحد إِلَّا بِهِ وَإِن قَالُوا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يدع قطّ أحد إِلَى شَيْء من هَذَا وَلكنه مُودع فِي الْقُرْآن وَفِي كَلَامه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قيل لَهُ صدقت وَقد صَحَّ بِهَذَا أَنه لَو كَانَ جهل شَيْء من هَذَا كُله كفرا لما ضيع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيَان ذَلِك للحره وَالْعَبْد وَالْحر وَالْأمة وَمن جوز هَذَا فقد قَالَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يبلغ كَمَا أَمر وَهَذَا كفر مُجَرّد مِمَّن أجَازه فصح ضَرُورَة أَن الْجَهْل بِكُل ذَلِك لَا يضر شَيْئا وَإِنَّمَا يلْزم الْكَلَام مِنْهَا إِذا خَاضَ فِيهَا النَّاس فَيلْزم حِينَئِذٍ بَيَان الْحق من الْقُرْآن وَالسّنة لقَوْل الله عز وَجل {كونُوا قوامين لله شُهَدَاء بِالْقِسْطِ} وَلقَوْل الله عز جلّ {لتبيننه للنَّاس وَلَا تكتمونه} فَمن عِنْد حِينَئِذٍ بعد بَيَان الْحق فَهُوَ كَافِر لِأَنَّهُ لم يحكم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا سلم لما قضى بِهِ وَقد صَحَّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن رجلا لم يعْمل خيرا قطّ فَلَمَّا حَضَره الْمَوْت قَالَ لأَهله إِذا مت فأحرقوني ثمَّ ذَروا رمادي فِي يَوْم رَاح نصفه فِي الْبَحْر وَنصفه فِي الْبر فوَاللَّه لَئِن قدر الله تَعَالَى عَليّ ليعذبني عذَابا لم يعذبه أحدا من خلقه وَأَن الله عز جلّ جمع رماده فأحياه وَسَأَلَهُ مَا حملك على ذَلِك قَالَ خوفك يَا رب وَأَن الله تَعَالَى غفر لَهُ لهَذَا القَوْل
قَالَ أَبُو مُحَمَّد فَهَذَا إِنْسَان جهل إِلَى أَن مَاتَ أَن الله عز وَجل يقدر على جمع رماده وإحيائه وَقد غفر لَهُ لإِقْرَاره وخوفه وجهله وَقد قَالَ بعض من يحرف الْكَلم عَن موَاضعه أَن معنى لَئِن قدر الله عَليّ إِنَّمَا هُوَ لَئِن ضيق الله عَليّ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَأما إِذا مَا ابتلاه فَقدر عَلَيْهِ رزقه}
نام کتاب : الفصل في الملل والأهواء والنحل نویسنده : ابن حزم جلد : 3 صفحه : 140