محدثا في العبادة ما ليس منها.
ومهما استحسن الإنسان بعقله شيئا في العبادة، فإنه – أي الاستحسان- ليس دليلا على مشروعية تلك العبادة، بل إن هذا الاستحسان قد يكون مصادما لحكم الله تعالى، فلا ينبغي أبدا أن يتعبد لله تعالى إلى بما شرع الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
المبحث الثاني: نشأة الذكر الجماعي
كان مبتدأ نشأة الذكر الجماعي وظهوره في زمن الصحابة - رضي الله عنهم- كما سيأتي ذلك مفصلاً في المبحث الرابع إن شاء الله، وقد أنكر الصحابة هذه البدعة لما ظهرت وقد قلّ انتشار هذه الظاهرة, وخبت بسبب إنكار السلف لها. ثم لمّا كان زمن المأمون، أمر بنشر تلك الظاهرة. فقد كتب إلى إسحاق بن إبراهيم نائب بغداد يأمره أن يأمر الناس بالتكبير بعد الصلوات الخمس. فقد ذكر الطبري في تاريخه في أحداث عام 216 هـ ما نصّه: "وفيها كتب المأمون إلى إسحاق بن إبراهيم يأمره بأخذ الجند بالتكبير إذا صلوا، فبدؤوا بذلك في مسجد المدينة، والرصافة، يوم الجمعة لأربع عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان، من هذه السنة" [1] وجاء في تاريخ ابن كثير: "وفيها كتب المأمون إلى إسحاق بن إبراهيم نائب بغداد، يأمره أن يأمر الناس بالتكبير عقب الصلوات الخمس" [2] .
فكان هذا مبتدأ عودة ظاهرة الذكر الجماعي وبقوة، بسبب مناصرة السلطان لها. ومن المعلوم أن السلطان إذا ناصر أمرا، أو قولا ما، ونشره بالقوة بين الناس، فلابد
1- تاريخ الأمم والملوك (10/ 281) .
2- البداية والنهاية (10/ 282) .