وذكر الفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس، وذكر ما أنزل من السماء من المطر الذي فيه حياة البلاد، وبه وبما وضع الله في الليل والنهار من الحر والبرد يتم رزق العباد، والبهائم والدواب، وذكر ما بث في الأرض من كل دابة مختلفة الصور والأجساد، مختلفة الألسنة والألوان، وذكر تصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض، وما فيهما من منافع الحيوانات وما في جميع ذلك من الآيات البينات لقوم يعقلون"[1].
فهذه أمور واضحة محسوسة، إذا تمعن فيها الإنسان وحكم عقله خلص من ذلك إلى أن هذه كائنات لم يكن وجودها ذاتياً، ولم يكن لها أن تسير أنفسها بتلك الدقة المتناهية، وذلك التناسق العجيب بل وجودها وفق هذا النظام المحكم دليل واضح على أن لها موجداً خلقها، وقدر فيها وظائفها الموكول إليها تأديتها، وسيرها نحو أداء الغرض الذي خلقت من أجله بغاية الدقة والإحكام.
ثم أردف البيهقي - رحمه الله - بسوق آية أخرى تتضمن الأمر الإلهي بالنظر السابق حيث قال: "ثم أمر في آية أخرى بالنظر فيهما فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [2]. يعني - والله أعلم - من الآيات الواضحات والدلالات النيرات، وهذا لأنك إذا تأملت هيئة هذا العالم ببصرك، واعتبرتها بفكرك، وجدته كالبيت المبني المعد فيه جميع ما يحتاج إليه ساكنه من آلة وعتاد، فالسماء مرفوعة كالسقف، والأرض [1] الاعتقاد ص:6، 7. [2] سورة يونس آية: 101.