برسله الداعين إليه، وإلى إفراده بالعبادة فإن ذلك لا يعني أنه مبني على يقين كامل بعدم وجود إله واحد، خالق لهذا الكون، ومصرف لأموره، وإنما هو مكابرة، وتحويل للفطرة التي فطر الله الناس عليها، من أجل الحصول على غرض شخصي، من ادعاء للألوهية، كما فعل فرعودن، أو من أجل التجرد عن القيم الإنسانية التي دعا إليها الرسل والتفرغ للمادة وجعلها هي الإله كما فعل الملحدون في العصر الحديث.
والملحدون لا يقدرون على تقديم أدلة على إلحادهم، وكل ما يفعلونه شبه واهية، يوجهونها إلى الدين، وهي شبه واضحة البطلان.
وقصارى القول: إن الأدلة التي يرشد إليها القرآن الكريم إنما تكون للمؤمن ليزداد معرفة بالله، وعظمته، وكمال قدرته، وفي حق من فسدت فطرته واعظة ومرشدة للعودة إلى الفطرة التي ند عنها، وتنكر لها.
وقبل أن أبدأ في بيان الأدلة التي سلكها البيهقي لإثبات وجود الله، إليك إيجازاً لمسلك كل من الفلاسفة والمتكلمين في الاستدلال على هذه القضية، حتى يتبين لنا اتجاه شيخنا البيهقي:
1 - المتكلمون:
سلك المفكرون في إثبات وجود الله تعالى طرقاً متعددة، فالمتكلمون كان عمدتهم في ذلك حدوث العالم، وقد بين ذلك صاحب المواقف بقوله: "قد علمت أن العالم إما جوهر أو عرض، وقد يستدل على إثبات الصانع بكل واحد منهما إما بإمكانه أو بحدوثه، فهذه وجوه أربعة"[1]. [1] المواقف للإيجي (قسم الإلهيّات) تحقيق الدكتور أحمد المهدي ص: هـ، وقد ذكر ابن رشد هذا المسلك على أنه للأشاعرة إلا أنه أشار إلى موافقة المعتزلة لهم فيه بقوله: "وأما المعتزلة فإنه لم يصل إلينا في هذه الجزيرة من كتبهم شيء نقف منه على طرقهم التي سلكوها في هذا المعنى، ويشبه أن تكون طرقهم من جنس طرق الأشاعرة". انظر مناهج الأدلة ص: 151، والأمر كما قال. انظر شرح الأصول الخمسة ص: 92.