نام کتاب : الإيمان نویسنده : ابن تيمية جلد : 1 صفحه : 330
بهذين المثلين كان النبي صلى الله عليه وسلم يمتنع من عقوبة المنافقين، فإن فيهم من لم يكن يعرفهم كما أخبر الله بذلك، والذين كان يعرفهم لو عاقب بعضهم لغضب له قومه، ولقال الناس: إن محمدًا يقتل أصحابه، فكان يحصل بسبب ذلكنفور عن الإسلام، إذ لم يكن الذنب ظاهرًا، يشترك الناس في معرفته، ولما هم بعقوبة من يتخلف عن الصلاة، منعه من في البيوت من النساء والذرية، وأما مبدؤه فيتعلق به خطاب الأمر والنهي، فإذا قال الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائد: 6] ونحو ذلك، فهو أمر في الظاهر لكل من أظهره، وهو خطاب في الباطن لكل من عرف من نفسه أنه مصدق للرسول، وإن كان عاصيًا، وإن كان لم يقم بالواجبات الباطنة، والظاهرة، وذلك أنه إن كان لفظ: {الَّذِينَ آمَنُواْ} يتناولهم فلا كلام، وإن كان لم يتناولهم فذاك لذنوبهم، فلا تكون ذنوبهم مانعة من أمرهم بالحسنات التي إن فعلوها كانت سبب رحمتهم، وإن تركوها كان أمرهم بها، وعقوبتهم عليها عقوبة على ترك الإيمان، والكافر يجب عليه أيضًا، لكن لا يصح منه حتى يؤمن، وكذلك المنافق المحض لا يصح منه في الباطن حتى يؤمن.
وأما من كان معه أول الإيمان، فهذا يصح منه؛ لأن معه إقراره في الباطن بوجوب ما أوجبه الرسول، وتحريم ما حرمه، وهذا سبب الصحة، وأما كماله فيتعلق به خطاب الوعد بالجنة والنصرة والسلامة من النار، فإن هذا الوعد إنما هو لمن فعل المأمور وترك المحظور، ومن فعل بعضا وترك بعضًا، فيثاب على ما فعله، ويعاقب على ما تركه، فلا يدخل هذا في اسم المؤمن المستحق للحمد والثناء، دون الذم والعقاب، ومن نفى عنه الرسول الإيمان، فنفى الإيمان في هذا الحكم؛ لأنه ذكر ذلك على سبيل الوعيد. والوعيد إنما يكون بنفي ما يقتضي الثواب، ويدفع العقاب؛ ولهذا ما في الكتاب والسنة من نفي الإيمان عن أصحاب الذنوب، فإنما هو في خطاب الوعيد والذم، لا في خطاب الأمر والنهي، ولا في أحكام الدنيا.
نام کتاب : الإيمان نویسنده : ابن تيمية جلد : 1 صفحه : 330