نام کتاب : نصرة الثائر على المثل السائر نویسنده : الصفدي جلد : 1 صفحه : 75
منه: وكان الكفر حل بهذا البلد فملكه واستهلكه، وأغلقه فأوثقه، وضاعت مفاتيحه من الإسلام فلم يجدها إلا في زمان أمير المؤمنين وهي السيوف، وما كان يضرب في فنائه للحرب مصاف حتى ضربت في مسجده للصلاة صفوف فاسترجع الصخرة التي هي فص خاتم الإسلام كما استرجع بها سليمان قدما خاتمه، وكان وكيل الإسلام في استرجاع خاتمه صارمه آخر كلام الفاضل رحمه الله تعالى.
وهذا بديهٌ لا كتحبير قائلٍ ... إذا ما أراد القول زوّره شهرا
وقد أتبع ابن الأثير رحمه الله كتاب فتح القدس بتقليد حسبةٍ، أطال فيه وليس في عقده واسطة، ولا في أثنائه نكتة تكون بينها وبين التعجب رابطة، لكنه استوعب آداب الحسبة وعددها، ورصع وصاياها في سلكه ونضدها وأطال في نصها لما سردها، وأظهر فيه العلم لا لطف العمل، وأتى به عريا عن المحاسن فلا رغبة فيه للمنشىء الماهر ولا أمل، وهو بأن يكون جزءا في آداب الحسبة أحق منه بأن يكون في التقاليد معدودا، وبأن يضم إلى الكتب الموضوعة لذلك أولى منه بأن يكون في جملة الإنشاء مسرودا.
؟ حول ورود أن بعد لما وأثرها في الدلالة على تراخي الزمن
قال في النوع السابع عشر في التكرير، وقد ذكر دخول أن التي ترد بعد لما وادعى أنها إذا دخلت في الكلام دل على أن الفعل لم يكن على الفور، وأنه ثم تراخ ومهلة. وساق قوله تعالى: " فلمّا أنْ جاءَ البشيرُ القاهُ على وَجههِ فارتَدَّ بصيرا ".
وإذا نظر في قصة يوسف مع إخوته منذ ألقوه في الجب وإلى أن جاء البشير إلى أبيه عليه السلام، وجد أنه كان ثم إبطاء وتراخ بعيد بعيد، ولو لم يكن ثم مدة بعيدة وأمد متطاول، لما جىء بأن بعد لما وقبل الفعل. بل كانت تكون الآية: فلما جاء البشير ألقاه على وجهه. وهذه دقائق ورموز لا توجد عند النحاة لأنها ليست من شأنهم.
أقول: هذا من جناية إعجاب المرء بعقله ورأيه، ألا تراه كيف تصور الخطأ صوابا، ثم أخذ يتبجح بأنه ظفر بما لم يفهمه النحاة ولا يعلوه: أتراه ما نظر إلى هذه الفاء التي هي للتعقيب عقيب ماذا وردت. هل وردت عقيب قوله تعالى: " فلما ذهبوا به وأَجمَعوا أنْ يجعلوه في غَيابَةِ الجُبّ ".. والآيات المتعلقة بواقعة إلقائه في الجب حتى يدعي هذه الدعوى. أو وردت عقيب قوله تعالى: " اذهَبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأتِ بصيرا وأْتوني لأجِدُ ريحَ يُوسفَ لولا أَنْ تُفنِّدونِ. قالوا: تالله إنك لفي ضلالِك بأهلِكُم أَجمعين " إلى قوله تعالى: " ولما فَصَلتِ العِيرُ قال أَبوهم: إني القَديم. فلمّا أنْ جاء البشير " الآيات. فأي تراخ بين هذين من البعد البعيد والمدة المتطاولة؟ إنما كان ذلك كله بقدر المسافة من مصر إلى أرض كنعان، مقام يعقوب عليه السلام، وهي تكون اثني عشر يوماً وما حولها، ولهذا قال النحاة: إنها هنا زائدة.
قال في هذا النوع أيضاً وقد أورد قول أبي نواس:
أقمنا بها يوماً ويوما وثالثا ... ويوما له يوم التّرحّل خامس
مراده من ذلك أنهم أقاموا أربعة أيام. ويا عجبا له، يأتي بمثل هذا البيت السخيف الدال على العي الفاحش في ضمن تلك الأبيات.
أقول: ليس الأمر كما ادعاه من أنه أراد أنهم أقاموا أربعة أيام، بل قد ذهب بعض المتأدبين إلى أن المقام كان سبعة أيام، بدليل أنه أقام يوماً ويوما وثالثا فهذه ثلاثة أيام. ثم قال: ويوما له يوم الترحل خامس فزاد الثلاثة أربعة أخر خامسها يوم الرحيل. وما يشك صاحب الذوق أن هذه العبارة أحسن من قوله: أقمنا بها أسبوعا، وإن كان هذا أخصر في اللفظ، ولكن ذلك له موقع.
سلمنا أن المقام أربعة أيام، ولكنه كرر ذلك لمعنى لم يوجد إلا في هذا التكرار، وهو أن المقام في هذه الحالة مقام وصف لأيام قطعها في لذة، فأخذ يعددها أفرادا غير جملة ويقول: أقمنا بها يوماً ويوما ويوما كالمتلذذ بهيئة كل يوم استحضرها في ذهنه، وما مر لهم فيها من أنواع اللذاذات والمسرات، وهذا أمر متعارف في الخير والشر فيقال: واصلني يوماً في يوم في يوم في يوم، وهجرني يوماً في يوم في يوم في يوم. ومن هذا قول مروان الأصغر:
سقى الله نجدا والسّلام على نجد ... ويا حبذا نجدٌ على النأي والبعد
كرر ذلك تلذذا بذكرها، وتحرقا بالشوق إليها.
ولله المتنبي حيث قال:
نام کتاب : نصرة الثائر على المثل السائر نویسنده : الصفدي جلد : 1 صفحه : 75